
- تحليل السياسات
- تنبيه سياسي
خطوات ترامب الأولية بشأن سوريا كانت جيدة، لكن عليه الآن منع الصين من استغلال الوضع

تتخصص بكين في نوع المساعدة التي تحتاجها سوريا بشدة لإعادة إعمار البنية التحتية، وقد تسعى إلى استغلال أي تأخير إضافي أو حظر ناتج عن ضوابط التصدير الأمريكية.
جاء الإعلان المفاجئ للرئيس ترامب بأن الولايات المتحدة ستعلق العقوبات المفروضة على سوريا وستسعى إلى تطبيع العلاقات معها بمثابة فترة استراحة مرحب بها، ليس فقط بالنسبة لدمشق، ولكن أيضاً بالنسبة للدول الإقليمية مثل تركيا والمملكة العربية السعودية، التي ما فتئت تضغط على واشنطن لمنح سوريا الجديدة فرصة لإعادة بناء نفسها بدعم من الولايات المتحدة. في 23 أيار/مايو، اتخذت الإدارة الأمريكية خطوة أخرى ايجابية بإصدار الترخيص العام رقم (25)، وذلك كجزء من مسار التراجع عن العقوبات العديدة التي فرضتها واشنطن. ومع ذلك، إذا لم تُتخذ واشنطن خطوات إضافية سريعاً، قد تتمكن أطراف خارجية مثل الصين من التدخل وإعادة إعمار سوريا، ومن ثم، جني المكاسب التجارية والجيوسياسية الناتجة عن ذلك.
تُعد مهمة رفع العقوبات الأمريكية مهمة شاقة؛ إذ أن بعضها فُرض قبل عقود، فيما صدر البعض الآخر خلال الحرب الأهلية السورية. أما "عقوبات قيصر" وما شابهها، فقد تتطلّب في نهاية المطاف موافقة الكونغرس لإلغائها بشكل دائم. ولا يزال يتعين على أوروبا وشركاء الولايات المتحدة الآخرين اتخاذ خطوات مماثلة لفك ارتباطهم بهذه العقوبات. لكن، حتى بعد اجتياز هذه المراحل المعقّدة، سيظل تنفيذ رؤية الرئيس مشروطة أيضاً بتخفيف الرقابة الأمريكية المفروضة على تصدير المعدات والمواد الحيوية اللازمة لإعادة إعمار البنية التحتية في سوريا.
وتُواجه البلاد حالياً قيوداً صارمة على استيراد هذه المواد، لا سيما إذا كان مصدرها الولايات المتحدة أو كانت تحتوي على نسبة معينة من المكونات الأمريكية. جاءت أشد القيود بعد تصنيف سوريا في عام 1979، بوصفها دولة راعية للإرهاب، مما أدى إلى حرمانها من تلقي المساعدات الخارجية الأمريكية، ومن الحصول على المواد ذات الاستخدام المزدوج، أو النفاذ الكامل إلى للأسواق المالية الدولية. وبالمثل، حظر قانون "محاسبة سوريا واستعادة السيادة اللبنانية" لعام 2003 على الولايات المتحدة إصدار تراخيص تصدير إلى دمشق لأي مواد تُصنّف على أنها ذات استخدام مزدوج. كما تنشأ قيود أخرى غن قانون إدارة الصادرات (1979)، وقانون حماية ضحايا الاتجار بالبشر والعنف (2000)، وقانون حظر انتشار الأسلحة في إيران وكوريا الشمالية وسوريا (2000). وعلى الرغم من أن "الترخيص العام رقم (25) خفّف بعض القيود المفروضة بموجب العقوبات، فأنه لا يشمل نظام الرقابة الكامل المفروض على الصادرات المرتبطة بهذه التصنيفات.
وإذا استمرت هذه القيود في السريان، ستكون النتيجة واضحة، إذ ستُضطر الكيانات المعنية بإعادة إعمار البنية التحتية في مختلف القطاعات السورية (مثل النقل والصحة، والاتصالات، وغيرها) إلى البحث عن مورّدين بديلين خارج الولايات المتحدة. وهذا من شأنه أن يفتح المجال أمام الدول التي تتمتع بخبرة في هذا النوع من المساعدات، وعلى رأسها الصين، لاستغلال هذه الفرصة. وتركز برامج الإقراض الصينية الخارجية، مثل "مبادرة الحزام والطريق"، على مشاريع البنية التحتية من النوع الذي تحتاجه سوريا في مرحلتها الجديدة بالضبط. وعلى الرغم من أن الترخيص العام رقم (25) يفرض قيوداً على شراء المواد من روسيا وإيران وكوريا الشمالية، إلا أنه لا يذكر الصين بشكل صريح.
تُجري بكين اختباراً حذراً لدمشق في هذا المجال منذ فترة. فمنذ أوائل شباط/فبراير، عقد مسؤولون صينيون محادثات مع وزيري الزراعة والطاقة في الحكومة السورية بشأن استثمارات محتملة في قطاع البنية التحتية. وفي الشهر الماضي، شاركت 22 شركة صينية في مؤتمر إعادة الإعمار في سوريا، لتحتل المرتبة الثانية من حيث عدد الشركات بعد الوفد التركي. وبعد أيام قليلة من إعلان ترامب تخفيف العقوبات، وقّعت الهيئة العامة للموانئ البرية والبحرية السورية مذكرة تفاهم مع شركة صينية تمنحها امتيازات استثمارية في مدينتين، إحداهما في محافظة حمص، والأخرى في ريف دمشق.
إذا أرادت واشنطن وأوروبا وقف هذا المسار وإبعاد الحكومة السورية الجديدة عن الأطراف غير المرغوب فيها - سواء أكانوا شركاء تقليديين مثل روسيا وإيران، أو شركاء جدداً محتملين مثل الصين - فيتعين عليهم التأكد من أن ضوابط التصدير والعقوبات المفروضة ميسرة بدرجة كافية. ولقد سُجّلت سوابق لمثل هذه الخطوات. ففي عام 2013، أعلنت الولايات المتحدة عن إعفاء محدود من قانون محاسبة سوريا لعام 2003، سمح لمكتب الصناعة والأمن التابع لوزارة التجارة بإصدار "تراخيص لكل حالة على حدة" لتصدير بعض السلع والتقنيات اللازمة لإعادة الإعمار في قطاعات متعددة، مثل الطاقة والنقل والبناء والمياه/الصرف الصحي والزراعة. وبالطبع، كانت سوريا في ذلك الحين لا تزال في خضم الحرب، ولذلك لم يؤدِّ هذا الإعفاء إلى زيادة كبيرة في صادرات الشركات الأمريكية. ومع ذلك، فإن المواد التي شملها الإعفاء حينها لا تزال تُطابق الاحتياجات الحالية لسوريا، وقد شكّلت سابقة قانونية تسمح بتخفيف قيود التصدير دون الحاجة إلى رفع العقوبات بالكامل.
وحتى لو اقتصر الأمر على قرار تخفيف هذه القيود فحسب، فإنه سيُشجّع بشكل كبير الجهات الفاعلة على "شراء المنتجات الأمريكية" خلال عملية إعادة إعمار سوريا. لكن على إدارة ترامب أن تُقدِم على خطوة إضافية، تتمثل في ضمان عدم اضطلاع المعدات والمواد الصينية بدورٍ رئيسي في مشاريع الإعمار. وقد كان الحد من نفوذ بكين في المنطقة أحد المحاور الرئيسة خلال زيارة ترامب إلى الشرق الأوسط؛ حيث صرح للصحفيين ذات مرة بإن دول الخليج "كانت تتجه نحو الصين، وأن ذلك سيكون مصدر قوتها، [لكن] ذلك لن يحدث". وحرصاً على الاستفادة من الزخم السياسي الذي حققته زيارته، ينبغي أن يوجه الرئيس رسالة حازمة إلى داعمي النظام السوري الإقليميين، لا سيما في الخليج وتركيا، يحثهم فيها على استبعاد المكونات الصينية من مشاريع إعادة الإعمار.
إن إدارة ترامب محقة في اغتنام هذه اللحظة الفريدة. فسوريا الجديدة، التي تميل أقل إلى رعاتها التقليديين وأكثر إلى الغرب، ستكون مكسباً لمصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. ومع ذلك، فإن تحقيق هذا التحول لن يكون ممكناً ما لم تُخفف واشنطن من قيودها طويلة الأمد على الصادرات إلى سوريا. أما إذا لم يحدث ذلك، فستجد دمشق وداعموها الإقليميون أنفسهم مضطرين للبحث عن بدائل أخرى، وقد تكون الصين في مقدمتها.
غرانت روملي هو زميل أقدم في برنامج الزمالة "ميزل غولدبرغر" في "برنامج مؤسسة دايين وغيلفورد غليزر حول منافسة القوى العظمى والشرق الأوسط"، .
هارون ي. زيلين هو زميل أول في المعهد ومؤلف كتاب "عصر الجهاد السياسي: دراسة عن هيئة تحرير الشام".