
- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 4097
هل ستعيد العقوبات الأممية المفروضة مجدداً "إيران" إلى طاولة المفاوضات؟

قد لا يكون لإعادة فرض العقوبات القديمة، التي يُقال إنها وشيكة، أثر اقتصادي كبير إذا تمكنت الصين من الالتفاف عليها، لكن واشنطن قد تستغل هذه الآلية للضغط على إيران للعودة إلى طاولة المفاوضات.
في محادثات رفيعة المستوى عُقدت في "جنيف" بتاريخ 26 آب/أغسطس، كررت "فرنسا" و"ألمانيا" و"المملكة المتحدة" التحذير الذي سبق أن وجّهته لـ"إيران" في 8 آب/أغسطس: "نحن مستعدون، ولدينا أسس قانونية واضحة، لإخطار مجلس الأمن بعدم وفاء "إيران" بالتزاماتها ضمن [خطة العمل الشاملة المشتركة]، بموجب القرار 2231 (2015)، الأمر الذي سيؤدي إلى تفعيل آلية الإرجاع السريع (المعروفة إعلامياً بآلية الزناد)، إذا لم يتم التوصل إلى حل مرضٍ بحلول نهاية آب/أغسطس." هذا التهديد بإعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة، التي كانت معلّقة منذ نحو عقد بموجب "خطة العمل الشاملة المشتركة"، اكتسب في الآونة الأخيرة أهمية سياسية ورمزية كبرى بالنسبة لـ"طهران". فقلّما يمر يوم من دون أن يهاجم المسؤولون الإيرانيون البارزون فكرة "الإرجاع السريع".
والمفارقة أن هذا التصعيد من جانب "طهران" يبدو غريباً من الناحية الاستراتيجية، خاصة مع إصرار "أوروبا" الواضح على المضي في الإجراء. وهو ما يوحي بأن النظام يبالغ في إثارة هذه النقطة لتبرير خطوة كان يستعد لها علناً، وهي تقليص التعاون مع المفتشين النوويين الدوليين، وصولاً إلى التلويح بتعليق أو حتى الانسحاب من معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية. يبقى السؤال الجوهري: ما هو التأثير الفعلي الذي قد يخلّفه تفعيل آلية الإرجاع السريع لـ"خطة العمل الشاملة المشتركة" على اقتصاد "إيران" وأنشطتها النووية؟
آلية الإرجاع السريع ومستقبل الاتفاق النووي
بدعم من قرار مجلس الأمن رقم 2231، علقت الصفقة النووية لعام 2015 العقوبات المفروضة بموجب القرارات 1737 و1747 و1803 و1929 لكنها أشارت إلى أنه يمكن إعادة فرضها تلقائياً إذا أبلغت "الصين" أو "فرنسا" أو "ألمانيا" أو "روسيا" أو "المملكة المتحدة" رئيس مجلس الأمن بأن "إيران" انتهكت الاتفاق النووي، والذي انتهكته بالتأكيد، مراراً وتكراراً. حاولت إدارة "ترامب" الأولى تفعيل الآلية في عام 2020، لكن المجلس خلص إلى أن "واشنطن" فقدت هذه السلطة عندما غادرت "خطة العمل الشاملة المشتركة" قبل عامين.
فرضت عقوبات الأمم المتحدة المعنية حظراً على الأسلحة على "إيران"، وجمدت أصول العديد من الأفراد والكيانات (بما في ذلك "الحرس الثوري الإسلامي" و"خطوط الشحن لجمهورية إيران الإسلامية")، وحظرت التجارة والمعاملات المالية المتعلقة ببرامج النظام النووية والصاروخية. تضمنت العقوبات أيضاً لغة تحث الدول على توخي الحذر بشأن عدة قضايا، مما وفر الأساس أساساً للعديد من البلدان في الاتحاد الأوروبي وأماكن أخرى لحظر مجموعة واسعة من الأنشطة مع "إيران"، بما في ذلك تجارة النفط.
هل يبدأ الإرجاع السريع هذا الأسبوع؟
وفقاً لشروط القرار 2231، تنتهي سلطة الإرجاع السريع نهائياً في 18 تشرين الأول/أكتوبر، ما يعني عملياً أن أي شكوى يجب أن تُقدَّم بحلول نهاية آب/أغسطس. هذا الموعد النهائي المبكر بحكم الأمر الواقع نشأ بسبب الإجراءات المعقدة في إطار 2231 التي تتطلب نافذة زمنية مدتها ثلاثون يوماً، و"روسيا" ستتولى الرئاسة الدورية للمجلس في 1 تشرين الأول/أكتوبر، منصب تُتوقع أن تستخدمه بالتأكيد تقريباً لعرقلة الإجراء.
في الوقت الحالي، تصيغ "موسكو" قراراً لتمديد تاريخ انتهاء الإرجاع السريع لستة أشهر، لكنه سيحد من الظروف التي يمكن في ظلها حدوث الإرجاع السريع. علاوة على ذلك، في المناقشات مع "إيران"، أشارت "الترويكا الأوروبية" إلى أن أي تمديد من هذا القبيل سيتطلب من النظام قبول عمليات تفتيش غير مقيدة من قبل "الوكالة الدولية للطاقة الذرية"، واستئناف المفاوضات غير المباشرة مع "واشنطن"، وتقديم تفسير للـ400 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% في مخزوناتها قبل الضربات العسكرية في حزيران/يونيو من قبل "إسرائيل" و"الولايات المتحدة"، شروط رفضتها "طهران". يحاول المسؤولون الإيرانيون الآن تقويض شرعية إرجاع سريع يبدو حتمياً من خلال الادعاء بأن الصفقة النووية انتهت صلاحيتها، لذا لا يمكن استدعاء الآلية.
من جانب آخر، يبدو أن إدارة "ترامب" يمكن أن تشعر بالارتياح لأن مسار الإرجاع السريع يسير نحو التفعيل من دون أن تبذل "واشنطن" أي جهد مباشر. هذا الصمت الأمريكي يعكس بوضوح الدور القيادي الذي اضطلعت به العواصم الأوروبية في ممارسة الضغط على "إيران"، وهو مسار يخدم المصالح الأمريكية في نهاية المطاف. فالأوروبيون أبرزوا أن جوهر المشكلة في الملف النووي ليس الضربات الإسرائيلية أو الأمريكية ضد القدرات الإيرانية، بل اندفاع "طهران" المستمر نحو امتلاك تقنيات خطيرة. وفي وقت ينشغل فيه كثيرون بانتقاد "القدس" و"واشنطن"، من اللافت أن "برلين" و"لندن" و"باريس" تضع المسؤولية على الطرف الحقيقي الذي يقف وراء الأزمة: "طهران".
ما هو الأثر الاقتصادي؟
اقتصاد "إيران" في حالة سيئة بشكل خاص في الوقت الحالي. أجبرت نقص الكهرباء وموجات الحر الشديدة السلطات على إغلاق المكاتب الحكومية والمدارس لمدة يوم أو يومين في الأسبوع في معظم أنحاء البلاد، بينما أُجبرت الصناعة على تقليص استخدام الطاقة في المساء ولا يُسمح لها بتشغيل المولدات في ذلك الوقت أيضاً. عامل آخر وراء الإغلاقات هو تلوث الهواء من استخدام الوقود القذر لتوليد الكهرباء. بالإضافة إلى ذلك، تجبر نقص المياه العديد من سكان المدن على تقنين إمدادات الشرب والاستغناء عن الغسيل المنتظم. نما التضخم المستمر الناجم عن العجز الهائل في الميزانية إلى درجة أن الحكومة سعيدة فعلاً عندما ينخفض إلى أقل من 40%.
نظراً لهذه القائمة من المشاكل، هل سيكون الإرجاع السريع هو القشة التي تقصم ظهر البعير؟ ربما، لكن هذه النتيجة ليست واضحة بأي حال من الأحوال. لقد تغير العالم منذ العقوبات الأممية الأصلية: "روسيا" و"الصين" وبلدان أخرى أكثر شكاً حول احترام العقوبات المفروضة من قبل أطراف ثالثة، و"إيران" أصبحت ماهرة في تجاوزها. علاوة على ذلك، البلدان الصناعية الغربية التي من المرجح أن تهتم بمراعاة الولايات الأممية لا تتاجر كثيراً مع "الجمهورية الإسلامية". أفاد الاتحاد الأوروبي عن ملياري دولار من الواردات من "إيران" العام الماضي (حوالي نصفها سلع ونصفها خدمات) و5.4 مليار دولار من الصادرات (80% سلع، 20% خدمات)، مع كون جزء كبير من حجم التجارة هذا يتألف من عناصر غير مشمولة بالإرجاع السريع. أفادت الولايات المتحدة عن 6 ملايين دولار من الواردات من "إيران" و90 مليون دولار من الصادرات. حتى تجارة "طهران" مع الشريك الاستراتيجي "موسكو" صغيرة نسبياً: كانت الواردات الروسية 700 مليون دولار في عام 2023، بينما كانت صادراتها 1.5 مليار دولار.
التجارة الصينية مع "إيران" هي القضية الكبيرة. بيانات التجارة ليست موثوقة بشكل خاص، مشكلة تفاقمت في هذه الحالة لأن كلا البلدين يبذلان جهوداً لإخفاء مبيعات النفط الإيرانية إلى "الصين". ومع ذلك، وفقاً لمنصة "WITS" التي تديرها "البنك الدولي" والأمم المتحدة و"منظمة التجارة العالمية"، فإن 60% من البضائع التي صدرتها "إيران" في عام 2023 كانت إما إلى "الصين" (22 مليار دولار) أو بلدان غير محددة (25 مليار دولار)، بينما جاء 27% من إجمالي 59 مليار دولار من البضائع المستوردة من هذه الوجهات. إذا تم تفعيل الإرجاع السريع، فليس من الواضح ما ستفعله "بكين"، إن وُجد، لتقليص هذه التجارة. من ناحية، عقوبات الأمم المتحدة لا تغطي تجارة النفط، والشركات الصينية تخفي بالفعل أصول معظم النفط الإيراني الذي تستورده. لكن إذا انتهت التأثيرات المتموجة للإرجاع السريع بإعاقة مبيعات النفط الإيرانية في السوق الصينية، ربما لأن البنوك وشركات الشحن وشركات التأمين تصبح أكثر ترددًا في التعامل مع مثل هذه المعاملات وسط ضغط أمريكي وأوروبي متزايد، فإن "طهران" ستواجه عجزاً تجارياً خطيراً ومشاكل حقيقية في تمويل الحكومة.
كيف يمكن لـ"واشنطن" تشكيل رد فعل "طهران"
أحد الخيارات هو استخدام الإرجاع السريع كرافعة لإعادة "إيران" إلى طاولة المفاوضات. نحو هذه الغاية، يمكن لـ"واشنطن" وحلفائها التركيز على جعل القيود الأممية المعاد فرضها أكثر فعالية. حالياً، "أوروبا" في وضع أفضل لمقاربة البلدان حول هذه القضية نظراً لنزاعات إدارة "ترامب" الدولية العديدة حول التعريفات الجمركية وأمور أخرى. ومع ذلك، ليس من الواضح مقدار الأولوية التي ستخصصها "واشنطن" أو "بروكسل" لعقوبات "إيران" في ضوء القضايا الأخرى المطروحة مع أهم شريك تجاري للنظام (مثل النزاعات الغربية مع "الصين" حول المعادن النادرة والفنتانيل والتجارة وأمور أخرى).
مسألة الأولوية هنا حاسمة، إذ يؤكد خبراء الشأن الإيراني أن "طهران" لا تتفاعل مع الضغوط المحدودة بل مع الضغوط الكبيرة والمتواصلة. فقد كانت عودتها إلى المفاوضات النووية عام 2013 نتيجة مباشرة للجمع بين العقوبات الأمريكية الأحادية والتدابير الغربية التي تبعتها بعد تدخل الأمم المتحدة. إضافةً إلى ذلك، تأثرت "إيران" بشدة بالخشية من احتمال قيام "إسرائيل" أو "الولايات المتحدة" بعمل عسكري إذا استمرت في توسيع برنامجها النووي، وهو ما شكل "لكمة مزدوجة" دفعتها إلى التفاوض آنذاك، وقد يتكرر السيناريو نفسه اليوم.
ما يثير القلق في "طهران" حالياً هو أن تفعيل الإرجاع السريع، إلى جانب الجهود الأوروبية لإقناع أطراف أخرى بالانضمام إليه، سيكشف بوضوح عدم تعاون النظام مع عمليات التفتيش النووي، وهو ما قد يوفر مبرراً ضمنياً لمزيد من التحركات العسكرية. وتشير شائعات متداولة داخل "إيران" إلى قناعة واسعة بأن "إسرائيل" تواصل تنفيذ عمليات سرية في عمق البلاد، وأن اندلاع مواجهة شاملة قد يحدث دون إنذار مسبق. من هذه الزاوية، قد يتجاوز تأثير الإرجاع السريع البعد الاقتصادي ليصبح ذا أثر سياسي وأمني أكبر، إذ يعمّق شعور النظام بالعزلة والتهديد، ويغذي هواجسه من تجدد القتال، وهو ما قد يخدم المصالح الأمريكية من خلال دفع "طهران" إلى خيار التفاوض تحت وطأة الضغوط المتزايدة.