
- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 4068
بعد عملية "المطرقة": الفرص والمخاطر التي تواجه السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط بعد الحرب

تتماشى أهداف عملية "مطرقة منتصف الليل" مع الأهداف الأمريكية الأوسع نطاقاً، والمتمثلة في كبح التهديدات الإيرانية وتعزيز الاستقرار في الشرق الأوسط. ومع ذلك، فإن القوة العسكرية وحدها لا تكفي لتحقيق هذه النتائج.
في الثلاثون من حزيران/يونيو، عقد معهد واشنطن منتدي سياسي افتراضي شارك فيه كلٌّ من روبرت ساتلوف، ومُنى يعقوبيان، وريتشارد نيفيو. يشغل ساتلوف حاليًا منصب المدير التنفيذي لـ "سيغال" في معهد واشنطن، ومدير كرسي "هوارد پي. بيركويتز" للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط. أما يعقوبيان، فهي مديرة برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، في حين يعمل نيفيو كزميلٍ مساعدٍ في المعهد، وقد شغل سابقًا منصب نائب المبعوث الخاص لإيران في وزارة الخارجية الأمريكية. فيما يلي ملخصٌ لملاحظاتهم.
روبرت ساتلوف
يدخل الشرق الأوسط عهداً جديداً من الصراع المباشر بين الدول، الذي أججته الهجمات المباشرة التي شنتها إيران على إسرائيل العام الماضي باستخدام الصواريخ والطائرات المسيرة، مما مهد الطريق لقيام كل من الولايات المتحدة وإسرائيل مؤخراً بقصف المواقع النووية الإيرانية. ومما لا شك فيه التحوّل إلى الهجوم المباشر بين الدول يُشكل خطأً استراتيجياً جسيماً بالنسبة إلى إيران، إذ يُعرّض أصولها الوطنية ومواطنيها لهجمات خارجية للمرة الأولى منذ الحرب الإيرانية - العراقية.
شكل الهجوم على إيران نقطة تحول في سياسة الولايات المتحدة، إذ أعاد تحديد الخطوط الحمراء للعمليات العسكرية المحتملة ضد الجمهورية الإسلامية. في السابق، كان ثمة خلاف بين الولايات المتحدة وإسرائيل حول الحدود القصوى لعملياتهما العسكرية الرامية إلى منع إيران من تطوير سلاح نووي، غير أن قرار إدارة ترامب بالمشاركة في هجمات إسرائيل أدى فعلياً إلى سد هذه الفجوة. والمحصلة أن واشنطن أصبحت الآن "صاحبة" سياسة المنع.
في المقابل، تتطور طبيعة العلاقات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل بسرعة. ففي حين قامت الولايات المتحدة منذ فترة طويلة بعمليات عسكرية دفاعية لحماية إسرائيل، فإن الهجوم على إيران يُعد أول عمل هجومي لها بالتنسيق مع إسرائيل. ومن ثم، تستدعي هذه الحقبة الجديدة من العلاقات الاستراتيجية وضع قواعد أساسية جديدة.
قد تكون ثمة حقيقتان متوازيتان: من جهة، تمكنت الضربات الأمريكية والإسرائيلية من توجيه ضربة قوية لبرنامج إيران النووي؛ ومن جهة أخرى، فإن إيران تبقى على الأرجح قادرة على إنتاج جهاز نووي بدائي بسرعة نسبية، كما أن دوافعها للقيام بذلك قد ازدادت. لذلك، ينبغي على واشنطن أن تركز على تحويل النجاح العسكري إلى إنجاز سياسي في أقرب وقت ممكن ومع ذلك، يتطلب الأمر التوصل إلى اتفاق تتعهد فيه إيران بالتخلي عن تخصيب اليورانيوم، وبالكشف عن جميع منشآتها النووية السرية، وبنقل مخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب إلى الرقابة الدولية، وبقبول التفتيش الدقيق، إضافة إلى التزامات أخرى. وفي المآل، قد تستلزم الأوضاع اتخاذ مزيد من الإجراءات العسكرية الأمريكية لإقناع طهران بأن الاتفاق يمثل السبيل الأمثل لحماية نظامها بدلاً من السعي السريع نحو امتلاك السلاح النووي.
منى يعقوبيان
تُمثل المواجهة العسكرية المباشرة بين إيران وإسرائيل سيناريو كارثياً بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط، في وقت تشهد فيه المنطقة تحولاً من النظام الإقليمي القديم، الذي ساد خلال العقدين الماضيين، إلى نظام جديد تتصدر فيه دول الخليج مشهد التوازن الاستراتيجي. أتاحت الطبيعة المعلنة مسبقاً للهجوم الانتقامي الأخير الذي شنته إيران على قاعدة "العُديد" الجوية في دولة قطر إمكانية إجلاء الأفراد وتجنب وقوع إصابات، مما يعكس سنوات من الجهود التي بذلتها دول الخليج لتعميق التواصل وبناء التقارب مع إيران. غير أن هذه اللحظة تكشف أيضاً عن اتجاه مقلق، حيث بات الصراع بين الدول أمراً مألوفاً، وهو ما يتعارض بشدة مع مصالح وأولويات دول الخليج.
يُعد تخفيف حدة التوتر أمراً ضرورياً لبقاء دول الخليج، إذ تعتمد اقتصاداتها على الاستقرار. وقد اعتقدت هذه الدول دومًا أن دمج إيران، لا عزلها، هو السبيل الأكثر استدامة، وليس عزلها، هو الاستراتيجية الأكثر استدامة. وقد عززت تجربتها السابقة في محاولة عزل إيران - كما حدث قبل الهجوم على المنشآت النفطية السعودية في عام 2019، والذي لم يُواجه بأي رد من الولايات المتحدة - هذه القناعة. وتُدرك دول الخليج أن إيران حين تكون محاصرة تميل أكثر إلى التصعيد، وغالبًا ما يأتي ذلك على حساب تلك الدول. وقد دفعت الحسابات الاستراتيجية دول مثل عُمان وقطر إلى لعب دور نشط كوسطاء بين الولايات المتحدة وإيران، سعياً إلى إيجاد سُبل مبتكرة لتهدئة التوتر والتوصل إلى حل دبلوماسي.
علاوة على ذلك، توفر الأوضاع الراهنة فرصة تاريخية لمعالجة ليس فقط طموحات إيران النووية، بل أيضاً نفوذها الإقليمي الأوسع، وذلك من خلال اتفاقات شاملة بدلاً من الاعتماد المستمر على الضربات العسكرية. كما تعي دول الخليج أن السلام الدائم يتطلب وقفاً دائماً لإطلاق النار في غزة، بما يُفسح المجال أمام تعاون عربي أوسع مع إسرائيل، إلى جانب وقف الضربات الإسرائيلية في لبنان، التي تنطوي على خطر إطالة أمد عدم الاستقرار. لذلك فإن تطبيع الصراع بين الدول كقاعدة إقليمية جديدة يُعد أمراً خطيراً على جميع الدول، بما في ذلك إسرائيل وإيران على حد سواء.
بالنسبة إلى الولايات المتحدة، تفرض هذه اللحظة التزاماً دبلوماسياً مكثفاً، حيث إن الاعتماد الحصري على الضغط العسكري ينطوي على خطر دفع إيران إلى تسريع جهودها لبناء جهاز نووي بدائي، مما يُقوض الاستقرار الإقليمي الأوسع. بدلاً من ذلك، يجب على واشنطن الاستفادة من موارد حلفائها العرب، وقنوات الوساطة المتوفرة، ونفوذهم لدعم رؤية شاملة لمنطقة شرق أوسط مستقرة ومزدهرة. وما يزال الانخراط الدبلوماسي يُمثل السبيل الأرجح للتوصّل إلى اتفاقات دائمة تتناول التحديات طويلة الأمد في الساحة الإسرائيلية-الفلسطينية، وفي إيران ولبنان وسوريا كذلك.
إذا نجحت هذه الاستراتيجية الدبلوماسية، فبإمكانها أن تُغيّر المنطقة، وأن تحوِّل عقوداً من الصراع إلى مستقبل يتسم بالتعاون. نظراً إلى ميل الرئيس ترامب إلى التغيير المفاجئ وعدم إمكانية التنبؤ بتصرفاته، قد يكون من المفيد استثمار غروره وطموحاته في الحصول على جائزة نوبل للسلام، لضمان استمرار الاستثمار الأمريكي في المنطقة، والسعي إلى التوصّل إلى صفقة كبرى. بدلاً من الانزلاق أكثر نحو الصراع، آن الأوان لمضاعفة الجهود الدبلوماسية.
ريتشارد نيفيو
ألحقت الضربات الأمريكية والإسرائيلية أضراراً كبيرة ببرنامج إيران النووي، إذ دمّرت عدداً كبيراً من أجهزة الطرد المركزي في مواقع مثل فوردو ونطنز، وعرقلت قدرة النظام على تحقيق اختراق نووي سريع. غير أن أسئلة حاسمة لا تزال مطروحة حول ما إذا كانت إيران تحتفظ بمعدات متبقية وخبرات فنية. والأهم من ذلك، ما إذا كانت تحتفظ بنحو 400 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، وهو ما يمكّنها من إنتاج أسلحة نووية بسرعة.
وعلى الرغم من أن هذه الضربات حققت مكاسب تكتيكية مهمة، إلا أن التحدي التالي يكمن في تعزيز تلك الإنجازات عبر التوصل إلى حل دبلوماسي دائم، وهي مهمة ازدادت تعقيدًا بسبب انعدام الثقة الذي تسببه الأعمال العسكرية بين الأطراف المعنية بالتفاوض حاليًا.
من المرجح أن يُفضي اتفاق نووي موثوق إلى تخفيف العقوبات المفروضة على إيران، لكن من غير المؤكد ما إذا كانت طهران ستقبل بقيود نووية جوهرية، أو ما الشكل الذي سيأخذه نظام التحقق والتفتيش. ويُعد التحقّق من تدمير مخزون إيران من اليورانيوم المخصب أو إزالته بوسائل أخرى أمراً أساسياً - فبدون مثل هذا الضمان، سيتوجب على المسؤولين افتراض أن المواد لا تزال موجودة، وقد تُتيح لإيران الشروع بسرعة في امتلاك سلاح نووي. للمضي قدماً، يحتاج المفاوضون إلى تحديد شروط واضحة لوقف إطلاق النار بين الولايات المتحدة وإيران، وتحديد الانتهاكات المحتملة (مثل الأنشطة في فوردو أو حفر الأنفاق)، وإنشاء آليات تفتيش صارمة ومحفزات لتوظيف القوة في المستقبل.
مسألة "عودة" عقوبات الأمم المتحدة تظل مسألة معقدة. لا يمكن للولايات المتحدة أن تطلق آلية العودة من جانب واحد نظراً لانسحابها من خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015 دون تفعيلها حينذاك؛ وبالتالي، فإن إعادة فرض عقوبات مجلس الأمن الدولي تتطلب موافقة فرنسا أو ألمانيا أو المملكة المتحدة. مؤخراً، وجد مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية مجدداً أن إيران لا تمتثل لالتزاماتها بموجب المعاهدة، وقد يشكّل الإبلاغ الرسمي بذلك إلى مجلس الأمن أساساً قانونياً لإعادة فرض العقوبات. وإذا أعيد فرض العقوبات، فقد ترد إيران بالانسحاب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وتقييد عمليات التفتيش التي تجريها الوكالة الدولية للطاقة الذرية. رغم أن عقوبات الأمم المتحدة تستهدف أساساً مخاوف الانتشار النووي، وليس الاقتصاد الإيراني بصورة عامة، فإنها تكتسب أهمية متزايدة بعد الضربة، حين تسعى إيران إلى الحصول على مكونات لإعادة بناء برامجها النووية والصاروخية.
أعدت هذا الملخص سارة بوشيس. أصبحت سلسلة منتدى السياسات ممكنة بفضل سخاء "عائلة فلورنس" و "روبرت كوفمان".