
- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 4073
إيران في اليوم الثالث عشر من الحرب: تقييم خيارات النظام واتجاهات الرأي العام

يناقش خبيران في مجال حقوق الإنسان احتمال تصعيد الحملة الداخلية في إيران في ظل اتفاق وقف إطلاق النار، بينما يُوضح مدير سابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) الأسباب التي تجعل الوقت ينفذ بسرعة لرصد المقومات الأساسية اللازمة لمراقبة البرنامج النووي الذي تضرر بشكل كبير.
في الثاني من تموز/يوليو عقد معهد واشنطن منتدى سياسي افتراضي شارك فيه هولي داغريس ورويا بوروماند ونورمان رول. داغريس هي زميلة أقدم في زمالة "ليبيتزكي فاميلي" في معهد واشنطن، ومديرة نشرة "ذا إيرانيست" الإخبارية. أما بوروماند فهي المُؤسسة والمديرة التنفيذية لـ"مركز عبد الرحمن بوروماند لحقوق الإنسان" في إيران. وبالنسبة لرول، فهو مستشار أول غير مقيم في "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية"، وقد شغل سابقاً منصب مدير مكتب إيران في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية. وفيما يلي ملخص لملاحظات المشاركين.
هولي داغريس
لقد تركت الحرب الإيرانيين في حالة من الذهول والصدمة، وكثيرون منهم يشككون في أن وقف إطلاق النار سيصمد لفترة طويلة. ففي طهران على وجه التحديد، لا يتجمع الناس حول علم الجمهورية الإسلامية، بل لأنهم إيرانيون يحملون تجربة حرب مشتركة، ولأنهم مضطرون إلى إصلاح ما دمرته الحرب معاً.
وبشكل عام، سادت حالة من الغضب في أوساط الرأي العام خلال الحرب وما بعدها. وقد وُجهت معظم هذه المشاعر إلى الجمهورية الإسلامية لعدم توفيرها ملاجئ وأجهزة إنذار للغارات الجوية. كما يشعر الناس بالغضب لأن المسؤولين أوصلوا البلاد إلى هذه الحالة من خلال قراراتهم التي تضمنت تمويل الميليشيات الأجنبية التابعة لها، والترويج لشعارات "الموت لإسرائيل وأمريكا"، والمضي قُدُماً في البرنامج النووي.
بالإضافة إلى ذلك، يشعر بعض الإيرانيين بالإحباط تجاه الولايات المتحدة وإسرائيل لعدم ملاحقة المرشد الأعلى وغيره من كبار الشخصيات السياسية، لأن هذا يعني أن النظام سيبقى على قيد الحياة وسيلاحق شعبه الآن. ركز العديد من المحللين على تغريدة الرئيس ترامب التي ذكرت تغيير النظام، لكن الكثير من الرسائل التي نشرتها الحكومة الإسرائيلية على وسائل التواصل الاجتماعي عبرت عن هذا الشعور أيضًا. كما ساهم استهداف مقر الباسيج ومدخل سجن إيفين ووسائل الإعلام الحكومية في تأجيج هذا الخطاب.
ومع ذلك، يدرك العديد من الإيرانيين أنه لا توجد قوة أجنبية ستخلصهم من الجمهورية الإسلامية، ولا يريدون أن تأتي مثل هذه التغييرات على حساب إراقة الدماء والحرب. وقد كشفت الأعمال العدائية العسكرية الأخيرة عن الضعف المتزايد للنظام، ويعتقد بعض الإيرانيين أنه في طريقه إلى الانهيار الداخلي. لكن للأسف، يبدو أن طهران تضاعف من جهودها، ليس فقط في خطابها ضد إسرائيل والولايات المتحدة، وإنما أيضاً في قمعها للشعب الإيراني. وقد أعرب العديد من الإيرانيين - من النشطاء إلى المواطنين العاديين - عن قلقهم من أن توجه الجمهورية الإسلامية انتقامها إليهم بدلاً من توجيهه إلى الخارج. وقد بدأ هذا بالفعل مع اعتقال أكثر من 1500 شخص وإعدام العديد منهم منذ اندلاع الحرب.
ينبغي أن يتركز تحليل احتمال انهيار النظام في إيران على حالات الانشقاق. في هذه المرحلة، تواصل قوات الأمن حشد قواتها وإنشاء نقاط تفتيش في جميع أنحاء البلاد. وهناك عامل آخر يجب مراقبته وهو النقص الواسع في المواد الغذائية والوقود والسلع الأساسية، إذ لم يتم الإبلاغ عن أي نقص من هذا القبيل حتى الآن. كما لم تشهد البلاد أي احتجاجات جماهيرية ضد النظام، على الرغم من الاحتفالات التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي طوال الحرب، إلى جانب الهتافات المناهضة للنظام التي انطلقت من أسطح المنازل والنوافذ. وتاريخياً، كانت الاحتجاجات في إيران مدفوعة بمجموعة من القضايا، ويمكن أن تعرض النظام لخطر الانهيار في ظل ظروف معينة. ومع ذلك، لم تتجسد أي من هذه المؤشرات بعد، لكن ذلك قد يتغير بسرعة. في عالم ما بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر، لم تعد الافتراضات السابقة حول المنطقة تحمل نفس الوزن الذي كانت تحمله في السابق، كما يتضح من تدهور أوضاع "حزب الله"، والمواجهة العسكرية الأخيرة مع إيران، وسقوط نظام بشار الأسد في سوريا.
رويا بوروماند
أكثر ما يشبه الوضع الحالي من الناحية التاريخية هو نهاية الحرب الإيرانية-العراقية. في صيف عام 1988، توصلت إيران إلى وقف إطلاق النار مع العراق وقبلت قرار مجلس الأمن الدولي رقم (598). بالنسبة لآية الله روح الله الخميني، شكّلت هذه الخطوة هزيمة مُذلة، إذ إن الموافقة على قرار الأمم المتحدة كانت بمثابة اعتراف ضمني بالفشل، لا سيما أن النظام فرض ست سنوات إضافية من المعاناة على الإيرانيين، رغم أنه استعاد أراضيه في عام 1982، أي بعد عامين فقط من اندلاع الحرب الطويلة.
في ذلك الوقت، كانت السجون الإيرانية مكتظة بآلاف السجناء السياسيين، ومن بينهم العديد من أعضاء منظمة "مجاهدي خلق" وغيرها من الجماعات المعارضة. وكان النظام قد فصل بالفعل بين السجناء "التائبين" و"غير التائبين، وكان يخشى أن يؤدي إطلاق سراح الأخيرين إلى تمكينهم من تنظيم المعارضة على نطاق أوسع. في تموز/يوليو 1988، دخلت قوات "مجاهدي خلق" إيران من قواعدها في العراق، مما أدى إلى اندلاع اضطرابات عنيفة في السجون. ورداً على ذلك، تم شنق ما بين ٤٠٠٠ و٥٠٠٠ سجين سياسي سرّاً. ومنذ ذلك الحين، كرست وزارة الاستخبارات جهوداً هائلة لمنع وتقويض جميع الجماعات المعارضة داخل إيران وخارجها، مستخدمة السجن والقتل خارج نطاق القانون والاختفاء القسري وغيرها من التكتيكات لمنع المواطنين من التنظيم.
بعد الحرب الأخيرة، يشعر الكثيرون بالقلق المشروع من أن الجمهورية الإسلامية ستشن حملة عقابية متزايدة في الداخل. وقد تعاملت الدولة دائماً بقسوة مع الإيرانيين الذين ينشرون محتوى غير مُوافق لسياساتها على وسائل التواصل الاجتماعي، لكن العواقب في المستقبل ستكون أكثر خطورة مما كانت عليه خلال انتفاضة "المرأة، الحياة، الحرية" في عام 2022. وقد أُعدم ما لا يقل عن 17 شخصاً بالفعل. ولا توجد إجراءات قانونية سليمة في مثل هذه القضايا، ولا يحضر محامون أثناء الاستجواب، أما بالنسبة للعديد من السجناء، فلا يظهر محاموهم إلا في الجلسة الأخيرة من المحاكمة. كما أن الاعترافات القسرية شائعة، وكذلك استخدام التعذيب. ولا يُطلب من أجهزة الاستخبارات الإيرانية تقديم أدلة إلى الأشخاص المدانين أو محاميهم. وهذا أمر مقلق بشكل خاص لأن السلطات أعلنت عن أكثر من ألف اعتقال خلال الأزمة الحالية، وهو رقم لا يشمل الاعتقالات في طهران أو الاعتقالات غير المعلنة.
علاوة على ذلك، تشعر الأقليات، على وجه الخصوص، بحالة من الرعب في الوقت الراهن، لا سيّما بعد دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، إذ إنها أكثر عرضة للخطر، وخصوصاً الأكراد الذين يُعدون الفئة الأكثر تضرراً. وقد تكون الجمهورية الإسلامية في وضع لا يسمح لها بتنفيذ إعدامات جماعية اليوم بسبب انتشار تكنولوجيا المعلومات. ومع ذلك، فإن هذا النظام ضعيف ومهان ومصاب بجنون العظمة، وقد نجا للتو من هجوم فعال للغاية ويحاول الآن إعادة فرض سلطته بتوجيه غضبه نحو الشعب الإيراني. وستعتمد شدة هذا الغضب جزئياً على مدى اهتمام المجتمع الدولي بهذا الاضطهاد، إذ لا يزال النظام يولي أهمية لصورته، رغم ما يدعيه من عكس ذلك.
نورمان رول
تشكل الإجراءات الحالية لإيران تتويجاً لاتجاه بدأ في عام 2018 مع تدهور علاقتها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. منذ ذلك الحين، أشارت العديد من بيانات الوكالة إلى تزايد عدم امتثال النظام، وقد ردت طهران على كل واحد من هذه البيانات بتوسيع برنامجها النووي. ولم يفعل المجتمع الدولي شيئاً حيال ذلك، مما يُظهر أن الخطوط الحمراء يمكن تجاهلها - حتى الآن.
إذا عاد مفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى إيران اليوم، فسيخلصون بلا شك إلى أن البرنامج النووي قد تعرض لضربة مدمرة، لكن المسؤولين الأمنيين الإيرانيين ينكرون هذه الحقيقة لأنهم لا يريدون الاعتراف بما حققته إسرائيل والولايات المتحدة. والأهم من ذلك، أن المجتمع الدولي لا يريد أن تعلن الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران انتهكت معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، لأن ذلك قد يدفع النظام إلى الانسحاب من المعاهدة ويؤدي إلى تآكل كبير في هيكل معاهدة حظر الانتشار النووي بأكملها. ومن الجدير بالذكر أن كوريا الشمالية كانت الدولة الوحيدة التي انسحبت من المعاهدة في الماضي. ولذلك، تتمتع إيران ببعض النفوذ على المجتمع الدولي ويمكنها استخدامه للحصول على تنازلات من أوروبا والولايات المتحدة. وللتصدي لهذا النفوذ، يجب أن تكون الوكالة الدولية للطاقة الذرية جهة فاعلة موثوقة وأن تثبت أن الدول الأعضاء لا يمكنها أن تتحدى بجرأة أعلى هيئة رقابة نووية في العالم.
أصبح الجدول الزمني للمفاوضات النووية أكثر ضيقاً الآن. ففي تشرين الأول/أكتوبر، ستتولى روسيا الرئاسة الدورية لمجلس الأمن الدولي وستعمل بالتأكيد على عرقلة الجهود الرامية للضغط على إيران والتوصل إلى نتيجة دبلوماسية قابلة للتطبيق. لذلك، قد تضغط أوروبا والولايات المتحدة من أجل "إعادة" فرض عقوبات الأمم المتحدة قبل ذلك الموعد. وللقيام بذلك، سيتعين عليهما الاعتماد بشكل أساسي على معلوماتهما الاستخباراتية لمواكبة ما ستفعله إيران خلال الأسابيع القليلة المقبلة، لأن الوكالة الدولية للطاقة الذرية لم تعد موجودة هناك. وهذا أمر مثير للقلق، ليس لأن معلومات الاستخبارات الأمريكية أو معلومات شركائها خاطئة، وإنما لأن الوكالة الدولية للطاقة الذرية تُعتبر صوتاً محايداً في المجتمع الدولي، وبالتالي فهي ضرورية لإقناع بقية العالم.
كما ستقوم إيران بإعادة النظر في دفاعاتها الجوية، حيث تمكنت إسرائيل والولايات المتحدة من السيطرة على مجالها الجوي بسهولة. ومن المرجح أن يتواصل مسؤولو النظام مع روسيا والصين للحصول على المزيد من هذه الأنظمة، لكن الحصول على شبكة دفاع جوي جديدة وتشغيلها بفعالية سيكون أمراً صعباً للغاية، ومكلفاً، ويستغرق وقتاً طويلاً. في غضون ذلك، من المرجح أن تركز طهران على الدروس العسكرية التي يجب أن تستخلصها من الهجمات الإسرائيلية والأمريكية، خاصة تلك المتعلقة بإعادة تنظيم واستعادة وحماية منصات إطلاق الصواريخ والدفاعات الجوية وغيرها من الأنظمة الرئيسية. ولا يتعلق الأمر بإظهار القوة تجاه "إسرائيل" فحسب، بل أيضاً تجاه دول الخليج والولايات المتحدة، وكلاهما موضع تساؤل في الوقت الراهن.
أعد هذا الملخص مانويل دي لا بويرتا. أصبحت سلسلة منتدى السياسات ممكنة بفضل سخاء "عائلة فلورنس" و "روبرت كوفمان".