- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 4125
"اتفاق سلام" بين الجزائر والمغرب؟ إدارة الدبلوماسية الأمريكية والتوقعات
تلمح إدارة ترامب إلى احتمال حدوث انفراجة بين الخصمين الإقليميين، لكن التوصل إلى اتفاقات قصيرة الأجل حول قضايا مثل الصحراء الغربية و"بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية" (مينورسو) لن يمثل سوى الخطوة الأولى في مسار دبلوماسي أمريكي طويل ومعقد بطبيعته.
في مقابلة حديثة أجراها برنامج "ستين دقيقة"، أشار المبعوث الأمريكي الخاص ستيف ويتكوف إلى أن فريقه يأمل في التوصل إلى "اتفاق سلام" بين المغرب والجزائر خلال ستين يوماً. ورغم أن العلاقات بين البلدين بلغت مستويات متدنية للغاية، إلا أنهما ليسا في حالة حرب، ما يثير تساؤلات حول طبيعة هذا الاتفاق المحتمل وشكله.
علاقات في أدنى مستوياتها التاريخية لكن من دون حرب
ظلت الحدود بين المغرب والجزائر مغلقة منذ عام 1994، وشهدت علاقاتهما تدهوراً غير مسبوق في السنوات الأخيرة. وكانت نقطة الانهيار في آب/أغسطس 2021، عندما قطعت الجزائر علاقاتها الدبلوماسية مع الرباط، متهمة المغرب بالمشاركة فى"أعمال عدائية " تشمل دعم الحركة الانفصالية في منطقة القبائل، والسماح لوزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك يائير لابيد بانتقاد السياسة الخارجية الجزائرية خلال زيارته إلى الرباط في الشهر نفسه.
تصاعدت الخلافات الدبلوماسية وتبادُل الاتهامات بين البلدين بصورة أكبر في عام 2022، إذ أوقفت الجزائر تشغيل خط أنابيب الغاز الذي يربطها بالمغرب منذ نحو عشرين عاماً، ما أدى إلى قطع إمدادات الطاقة الحيوية ودفع الرباط إلى اتهام جارتها بتأجيج عدم الاستقرار في المنطقة. بيد أنه، على الرغم من الخطاب المتشنج والإجراءات الانتقامية، حرص الجانبان على تجنب الانزلاق إلى مواجهة عسكرية مباشرة.
حل قضية الصحراء الغربية ضروري، لكنه ليس كافياً
رغم أن نزاع الصحراء الغربية لا يزال يشكل محور التوترات بين البلدين، إلا أنه لم يكن السبب في نشأتها. فقبل عقود، من الزمن، دعمت الرباط نضال الجزائر من أجل الاستقلال عن فرنسا، بينما كانت تؤكد مطالبتها بأن الإقليم الساحلي الممتد على مساحة مئة ألف ميل مربع، المعروف باسم الصحراء الغربية، جزءٌ من أراضي المملكة المغربية. بحلول عام 1975، عندما أطلق المغرب "المسيرة الخضراء" صوب الصحراء الغربية - التي لا يزال يسيطر على معظمها حتى اليوم - ظهرت حركة معارضة من بين السكان الأصليين للمنطقة بقيادة جبهة البوليساريو المسلحة، التي طالبت بحق تقرير المصير. وسرعان ما دعمت الجزائر هذه الجبهة وظلت على موقفها الداعم لها منذ ذلك الحين، ما جعل حل نزاع الصحراء الغربية شرطاً أساسياً لأي تقارب دائم بين البلدين.
تأتي تصريحات المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف في وقت يستعد فيه مجلس الأمن التابع الدولي للتصويت على تجديد ولاية "بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية". وبصفتها الجهة التي تتولى حالياً صياغة مشروع القرار المتعلق بهذه القضية، تحتفظ الولايات المتحدة بنفوذ كبير على المسار السياسي للنزاع. ومن ثم، يمكن استنتاج أن ويتكوف كان يُلمح إلى احتمال تحقيق تقدم داخل الأمم المتحدة بشأن ملف الصحراء الغربية قبل نهاية الشهر الجاري (انظر أدناه)، ضمن مسعى أمريكي أوسع لبناء "سلام" شامل في المنطقة.
ومع ذلك، فإن أي اتفاق يتضمن إنهاء "بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية" على عجل لن يحقق السلام في المنطقة، كما نوقش مقال تنبيه السياسات السابق. كما أن البعثة لا تزال تلعب دوراً مهماً في مراقبة وقف إطلاق النار بين المغرب وجبهة البوليساريو، ومن المهم الاستفادة من هذا الدور بشكل فعال خلال أي عملية انتقالية مقبلة.
الأهم من ذلك، ينبغي على المسؤولين الأمريكيين أن يدركوا أن التنافس بين الجزائر والمغرب يتجاوز حدود نزاع الصحراء الغربية، فهو يعكس صراعاً أوسع على النفوذ الإقليمي. وقد عبر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عن هذا الموقف مؤخراً في خطاب رفض فيه ما وصفه بالمحاولات الأجنبية لحل الخلاف التاريخي بين البلدين. في الواقع، يعود هذا التنافس إلى مرحلة ما بعد استقلال الجزائر، التي أعقبها اندلاع حربٍ حدودية بين عامي 1963 و1964 انتهت بحالة من الجمود العسكري. كما استثمرت الجزائر تجربتها الخاصة في التحرر الوطني لتعزيز قضية تقرير المصير للصحراويين على الساحة الدولية. وامتدت التوترات مع المغرب إلى المجال الثقافي، مما عمق الانقسامات بين شرائح المجتمع المدني والأجيال الشابة في البلدين، بما في ذلك داخل جالياتهما في الخارج التي كانت تتقاسم في الماضي هوية "مغاربية" مشتركة.
توصيات
تحتل الولايات المتحدة موقعاً مميزاً يتيح لها الإسهام في تضييق الفجوة بين الجزائر والمغرب. فقد تعززت علاقاتها مع الرباط بصورة ملحوظة في السنوات الأخيرة، من خلال توسيع التعاون العسكري، وتعميق العلاقات الاقتصادية، واعترافها بسيادة المغرب على الصحراء الغربية في كانون الأول/ديسمبر 2020. في الوقت ذاته، أقامت واشنطن شراكة قوية مع الجزائر تقوم على التعاون الاقتصادي والأمني. ولبدء إعادة بناء العلاقات تدريجياً بين الجزائر والمغرب. ومن ثم، ينبغي لإدارة ترامب النظر في اتخاذ الخطوات التالية:
الاستفادة الفعالة من التجديد المرتقب لولاية "بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية".
تشير مسودة القرار المسربة، التي يناقشها مجلس الأمن حالياً، إلى أن الأمور لن تسير وفق النهج المعتاد، إذ تنص على أن الولاية المقبلة للبعثة ستحدد بصورة صريحة الإطار المرجعي للمفاوضات المستقبلية حول مقترح المغرب لعام 2007 بشأن الحكم الذاتي (انظر أدناه). وإذا كان الهدف من هذا القرار يتمثل في دعم المسعى الأوسع لتهدئة العلاقات بين الرباط والجزائر، فينبغي على المسؤولين الأمريكيين الاستفادة من العضوية الحالية للجزائر في مجلس الأمن لضمان أخذ وجهة نظرها - المُنسقة على الأرجح مع جبهة البوليساريو – بعين الاعتبار. وفي المقابل، يتعين على الجزائر إبداء قدر من الواقعية يسمح بالخروج من حالة الجمود السياسي القائمة. على الرغم من أن الجزائر لم تصدر حتى الآن رداً رسمياً على تصريحات المبعوث الأمريكي ويتكوف، إلا أن المؤشرات الراهنة تعكس تشككها في المسار المقترح. وقد نشرت عدة وسائل إعلام مقربة من دوائر صنع القرار عناوين بارزة تؤكد أن الجزائر لن تصوت لصالح أي قرار يقتصر على ذكر مقترح الحكم الذاتي المغربية.
كما ينبغي على واشنطن تشجيع الرباط على توضيح مقترحها بصورة أكثر تفصيلاً. فقد اقترح المغرب خطة الحكم الذاتي في عام 2007، ولكنها كانت تفتقر إلى التفاصيل، فى حين أعترف عدد متزايد من الدول بأنها الأساس الأرجح (أو الوحيد) لإنهاء النزاع فى الصحراء الغربية. في المحصلة، سيتطلب أي حل قابل للتطبيق تعاون المغرب في تحقيق "حكم ذاتي حقيقي" للإقليم، كما قال وزير الخارجية ماركو روبيو في نيسان/أبريل. لكن معظم أعضاء مجلس الأمن لن يؤيدوا قراراً يركز على مقترح 2007 حتى تتضح تفاصيله. ففي 21 تشرين الأول/أكتوبر، أعلنت جبهة البوليساريو أنها قدمت مقترحها المفصل للسلام إلى الأمين العام أنطونيو غوتيريس، مما يشير إلى أن اهتمام واشنطن المتجدد بحل النزاع قد يحفز الأطراف الأخرى على تغيير حساباتها. (تفيد التقارير بأن جبهة البوليساريو حالياً ستقبل خطة الحكم الذاتي المغربية كأحد الخيارات القابلة للتفاوض، بينما كانت تشترط في السابق إجراء محادثات حول خيارين فقط: الاستقلال أو الاندماج).
على المدى القصير، ينبغي التركيز على إدارة التوقعات واستعادة الثقة. حتى لو نجحت واشنطن في المهمة الشاقة القائمة على التوسط في صياغة قرار جديد يحظى بتوافق الآراء بشأن "بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية" وهو أمر غير مؤكد، فإن إقناع الرباط والجزائر بتنحية خلافاتهما جانبا سيتطلب مزيدا من العمل مع الحكومتين. إذ أن انعدام الثقة المتبادلة بينهما عميق، فعلى سبيل المثال، وصل المغرب إلى حد اتهام الجزائر بالتحالف مع إيران من أجل دعم البوليساريو. من هنا، فإن مجرد استئناف الاتصالات المباشرة سيمثل إنجازاً. أما إعادتهما إلى طاولة المفاوضات على أمل عودتهما إلى الوضع الأقل عدائية الذي كانا عليه قبل القطيعة التي حدثت عام 2021، فسيسهم بصورة كبيرة في تخفيف التوترات.
على المدى الطويل، يُفترض أن يتركز الدور الأمريكي الثابت على صياغة حوافز فعالة. نظراً لتعقيد الخصومة، فإن تعزيز التقارب بين الجزائر والمغرب سيتطلب على الأرجح انخراطاً جدياً رفيع المستوى من الحكومة الأمريكية، إضافة إلى توازن دقيق في العلاقات الثنائية بين واشنطن وكل من البلدين. وبناءً على ذلك، يمكن لإدارة ترامب أن تبدأ هذه العملية بتحفيزهما على اتخاذ خطوات أولية متواضعة نسبياً، مثل تجنب التصريحات العلنية العدائية، واستئناف الرحلات الجوية التجارية المباشرة، وحتى إعادة فتح المعابر الحدودية. ولتشجيع المغرب، يمكن لواشنطن أن تقدم دعماً قوياً لتنمية الصحراء الغربية، أما بالنسبة للجزائر، فيمكنها أن تقترح تعزيز التعاون الاقتصادي والأمني.
بطبيعة الحال، فإن تجاوز عقود من الصراع وإزالة الحدود المغلقة خلال شهرين فقط أمراً بالغ الصعوبة، ما يستدعي من إدارة ترامب أن تكون مستعدة للحفاظ على تواصل مستمر مع جميع الأطراف المعنية حول مجموعة واسعة من القضايا. إذ أن النتائج المحتملة تستحق هذا الجهد، حيث إن إنهاء التوترات وخلق صيغة تواصل بين المغرب والجزائر وربما تعزيز التعاون على المدى الطويل في القضايا ذات الاهتمام المشترك سيجلب فوائد كبيرة للمنطقة، علاوة على فتح فرص مستقبلية لعقد صفقات تجارية أمريكية. لا يزال المغرب واحداً من أقل المناطق الاقتصادية تكاملاً في العالم، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى تجميد العلاقات بين أكبر اقتصادين فيه. قد تعود إعادة فتح باب التعاون الإقليمي بالفائدة على جميع المغاربة من خلال تحسين فرص التجارة، والإدارة المسؤولة للموارد المائية، وغير ذلك.
كما تتقاسم الجزائر والرباط قلقاً مشتركاً تجاه حالة عدم الاستقرار في منطقة الساحل المجاورة، وتمتلكان قدرات واسعة في مجال مكافحة الإرهاب يمكن توظيفها بفعالية، لذا فإن تشجيعهما على التعاون مع واشنطن ومع بعضهما البعض قد يمثل خطوة مهمة نحو ترسيخ الاستقرار في الجنوب.