
- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 4085
استغلال خطوط التصدع في علاقة إيران مع روسيا والصين في أعقاب حربها مع إسرائيل

أظهرت الحملات العسكرية الإسرائيلية والأمريكية عن حدود ما تستطيع موسكو وبكين فعله أو عدم فعله في دعمهما لطهران، الامر الذي وفر لواشنطن فرصاً للإبقاء على إيران في موقف ضعيف.
كشفت الحرب بين إيران وإسرائيل، وما أعقبها من تداعيات، عن حدود علاقات طهران مع روسيا والصين. فمن ناحية، تدعم هذه الدول بعضها البعض دبلوماسياً، وبصورة محدودة عسكرياً، كما وقعت إيران شراكات استراتيجية مع كلتا الدولتين. ومع ذلك، لم تتدخل روسيا أو الصين بشكل علني لصالح طهران في الحرب التي استمرت اثني عشر يوماً، واكتفيتا إلى حد كبير بإدانة الضربات الإسرائيلية والأمريكية، مع تجديد دعمهما لحق إيران في الدفاع عن نفسها.
ويمكن القول إن الترتيبات الحالية بين إيران وراعيتيها القوتين العظميين تخدم مصالح موسكو وبكين أكثر مما تخدم طهران. فقد حصلت روسيا على حق الوصول إلى التكنولوجيا العسكرية الإيرانية مقابل وعود غامضة بتقديم دعم عسكري، بينما حصلت الصين على النفط الإيراني الرخيص، الذي تُشكل مبيعاته شريان الحياة لاقتصاد طهران، دون أن تُضطر بكين إلى تقديم مقابل يُذكر. منذ اندلاع الحرب، يُعبّر المعلقون الإيرانيون عن شكواهم ضد روسيا والصين. وفي الوقت نفسه، ونظراً لأن هذه الترتيبات قد أفادت القوتين بشكل كبير، فإن لهما مصلحة في ضمان بقاء النظام الإيراني، ومن المرجح أن تواصلا تقديم الدعم. وسيتحدد شكل هذا الدعم بالتوازن الهش بين احتياجات إيران والمصالح الروسية والصينية الأوسع نطاقاً في المنطقة.
ماذا يمكن أن تفعل روسيا لإيران؟
تظل أولويات موسكو في المنطقة كما كانت قبل اندلاع الصراع، وتتمثل في ترسيخ دورها كوسيط، وهو دور عبر الكرملين عن استعداده لتوليه، مع الاستمرار في دعم القوى المناهضة للولايات المتحدة. وفي إطار هذه اللعبة المزدوجة، تسعى موسكو إلى الظهور كقوة عظمى لا يمكن الاستغناء عنها، وتستخدم هذا الموقع لخلق نفوذ خاص بها، بما في ذلك انتزاع تنازلات غربية محتملة في أوكرانيا ومناطق صراع أخرى. كما تحرص على الحفاظ على علاقات جيدة مع جميع الأطراف الفاعلة في المنطقة، وبالتالي - على الأقل من الناحية النظرية - لن تذهب بعيداً في دعم إيران. ومع ذلك، فإن مشاركة موسكو في المحادثات الدبلوماسية بشأن إيران ستجعلها تتصرف أساساً بوصفها مدافعاً عن طهران.
من جانبها، تسعى إيران للحصول على الدعم الدبلوماسي من القوتين. وكما صرح المتحدث باسم وزارة الخارجية، إسماعيل بقائي مؤخراً، "نحن في تشاور مستمر مع روسيا والصين لمنع تفعيل العودة إلى الوضع السابق أو للتخفيف من عواقبه"، في إشارة إلى احتمال إعادة فرض العقوبات التي رفعتها الأمم المتحدة قبل سنوات بموجب الاتفاق النووي لعام 2015.
قد تتجاوز موسكو حدود الدعم الدبلوماسي لتقديم أشكال أخرى من المساعدة لبرنامج إيران النووي، مع الاستمرار في ادعاء أنها تلعب دور الوسيط المحايد. فهي تزود بالفعل محطة بوشهر النووية بالوقود، ويمكنها توفير المزيد. كما بإمكانها إرسال تكنولوجيا إضافية وخبرات نووية، سواء سراً أو علناً، والتعاون في أبحاث ذات استخدام مزدوج تتصل بجهود تسليح البرنامج النووي. وفي وقت سابق من هذا الشهر، التقى الرئيس فلاديمير بوتين مع علي لاريجاني، كبير مستشاري المرشد الأعلى علي خامنئي، لمناقشة البرنامج النووي الذي تدعمه روسيا منذ منتصف التسعينيات. كما عرضت موسكو المساعدة في إزالة المواد النووية الزائدة من إيران. لطالما ادعى الكرملين أن مخاوف الغرب من البرنامج النووي الإيراني مبالغ فيها، وأن قلقه الحقيقي يتمثل في احتمال تحول إيران إلى دولة حليفة للغرب أكثر من قلقه من قدراتها النووية. علاوة على ذلك، أجرى الشريكان تدريبات بحرية مشتركة بعد الحرب الايرانية- الإسرائيلية، مما يدل على أن طهران لا تزال ملتزمة تجاه موسكو، على الرغم من تذمرها من إحجام الأخيرة عن التدخل لإنقاذها.
ما نوع الدعم الذي قد تقدمه الصين؟
سعت بكين في السنوات الأخيرة إلى موازنة علاقتها مع إيران بعناية، حرصاً على عدم الإخلال بعلاقاتها المتنامية مع بقية دول المنطقة، ولا سيما دول الخليج العربي. لم يتم بعد تنفيذ معظم بنود الاتفاقية التي تبلغ قيمتها 400 مليار دولار وتمتد على مدى 25 عاماً، والتي وقعتها الصين مع إيران في عام 2021، ويُعزى ذلك جزئياً إلى تحول تركيز بكين الاقتصادي نحو منطقة الخليج. وتتماشى الاتفاقية التي توسطت فيها الصين بين السعودية وإيران في عام 2023 تماماً مع طموحاتها الأكبر في أن يُنظر إليها كوسيط محايد في النزاعات العالمية، وفي تعزيز نهج مغاير تجاه الشرق الأوسط.
على الرغم من تحول التركيز، إلا أن العلاقات مع إيران عادت بفوائد كبيرة على الصين، فبعد أن فرضت الولايات المتحدة عقوبات على شركة تكرير نفط مملوكة للدولة الصينية في عام 2019، حاولت بكين التحايل على القيود من خلال شراء النفط الإيراني عبر شبكة معقدة من عمليات النقل من سفينة إلى سفينة ومصافي تكرير شبه مستقلة. والنتيجة النهائية هي استمرار وصول الصين إلى النفط الإيراني بأسعار أقل من أسعار السوق، مما يعود بفوائد غير متناسبة على بكين: فحوالي 90 % من صادرات النفط الإيرانية تتدفق إلى الصين، بينما يشكل النفط الإيراني حوالي 11 % من إجمالي واردات الصين. كما يُقال إن بكين تدفع لإيران بالعملة الصينية أو تمنحها ائتمانات لشراء معدات صينية، مما يعود أيضاً بفوائد غير متناسبة على بكين. في المقابل، تستفيد إيران من سوق موثوق لتصدير نفطها، حتى وإن لم يكن مرغوباً فيه بالكامل، إضافةً إلى دعم دبلوماسي من عضوٍ دائم في مجلس الأمن الدولي، ومنافس استراتيجي رئيسي للولايات المتحدة.
كما قدمت الصين دعماً عسكرياً ملموساً، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، حيث فرضت الولايات المتحدة عقوبات على شركات صينية لتزويدها إيران بمواد دافعة لصواريخها الباليستية ومكونات لطائراتها المسيرة. كما استفاد وكلاء إيران في المنطقة، بمن فيهم الحوثيون في اليمن، من الوصول إلى المكونات الصينية. علاوة على ذلك، تجري البحرية الصينية بانتظام تدريبات بحرية مع سفن إيرانية أثناء عبورها المنطقة، كان آخرها في آذار/مارس الماضي. وقبل أيام قليلة من الضربات الأمريكية الأخيرة على إيران، شوهدت عدة طائرات شحن صينية تهبط في طهران دون الإعلان عن وجهتها، على الرغم من إعلانها أنها متجهة إلى أوروبا.
بالإضافة إلى ذلك، من المرجح أن يتبع أي دعم ملموس قد تقدمه الصين لإيران في المستقبل نهجها الحذر، وأن يكون سرياً مع إمكانية إنكاره. وفي حين أن بكين ليس لديها مصلحة في انهيار النظام الإيراني، فإنها لا تريد أيضاً إثارة توتر علاقاتها مع جيران إيران من خلال تقديم دعم علني. على سبيل المثال، يمكن للمسؤولين الصينيين تصوير شحنات الوقود الصاروخي الإيراني على أنها مرسلة من شركات صينية، وليس من الدولة. وستصور بكين أي بيع أو نقل لمعدات عسكرية - مثل أنظمة الدفاع الجوي - على أنه ذو طبيعة دفاعية. علاوة على ذلك، من شبه المؤكد أن أي دعم اقتصادي إضافي سيأتي بشروط مثل تلك المفروضة على مشتريات الصين من النفط الإيراني - أي اشتراط أن تعزز المشاريع المشتركة بشكل غير مباشر الاقتصاد الصيني، وليس فقط الاقتصاد الإيراني. على الصعيدين السياسي والدبلوماسي، ستكون بكين أكثر من مستعدة لمواصلة توفير غطاء لإيران في المحافل الدولية، لأن ذلك لا يكلفها كثيراً ويتناسب تماماً مع انتقاداتها المستمرة للولايات المتحدة والغرب.
توصيات
كشفت الحرب بين إيران وإسرائيل عن خطوط الصدع في علاقات طهران مع روسيا والصين، وبدورها، ينبغي على الولايات المتحدة استغلال هذه التصدعات لإبقاء إيران في حالة ضعف. باستثناء إيران، لم تشهد أي دولة في المنطقة تراجعاً في مكانتها منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، إذ تم نزع سلاح وكلاء إيران وتقويض برنامجها النووي. كما تزداد قوة مواقف روسيا والصين في الشرق الأوسط عندما تكون إيران قوية، في حين أن ضعفها يُفضي إلى توترات طبيعية بين الدول الثلاث.
ينبغي على واشنطن، في المرحلة المقبلة، أن تضع في اعتبارها الخطوات التالية:
• إبقاء روسيا والصين خارج المفاوضات النووية. يجب أن تُجرى أي محادثات مستقبلية بين الولايات المتحدة وإيران على أساس ثنائي أو بحضور مجموعة الدول الأوروبية الثلاثة (E3)". فإشراك موسكو وبكين لن يؤدي إلا إلى مكافأة سلوكيهما المزعزعين للاستقرار. علاوة على ذلك، يجب على واشنطن أن ترفض رفضاً قاطعاً أي دور لأي من القوتين في تفتيش برنامج إيران النووي؛ إذ يجب أن تظل هذه المسؤولية من اختصاص الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
• تبادل المعلومات الاستخبارية حول الدعم الروسي والصيني لإيران مع الشركاء الإقليميين والدوليين. كما ذُكر أعلاه، رصد محللون من مصادر مفتوحة عدة طائرات شحن صينية تهبط في طهران في الفترة التي سبقت الصراع بين إيران وإسرائيل، على الرغم من إعلانها أنها متجهة إلى أوروبا. ومن ثم، يجب على أجهزة الاستخبارات الأمريكية أن تزود شركاءها المقربين بشكل استباقي بمعلومات عن حالات محددة للدعم الصيني والروسي.
• إطلاق حملة إعلامية لتحذير الدول من مخاطر علاقات إيران الوثيقة مع روسيا والصين. سعت موسكو وبكين إلى وضع نفسيهما كحكمين في نظام جديد من "الوئام" الدولي. لكن سلوكيهما يظهر عكس ذلك تماماً، حيث تتخذان إجراءات غالباً ما تؤجج الصراعات أو تؤكد مصالحهما الخاصة. إن تخلي روسيا عن حليفها في أرمينيا هو مثال صارخ على هذا النمط، وكذلك الترتيب الفريد الذي أبرمته الصين مع الحوثيين. كلا المثالين جاهزان للاستغلال، ويفضل أن يكون ذلك في إطار حملة إعلامية أمريكية أوسع نطاقاً تسلط الضوء بشكل متكرر على هذا النفاق.