
- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 4060
الولايات المتحدة تستهدف مواقع نووية إيرانية: التداعيات على إسرائيل والشرق الأوسط وسياسة الولايات المتحدة

يُشارك مسؤولان أمريكيان بارزان مع سفير إسرائيلي سابق في مناقشة تداعيات قرار إدارة ترامب بشأن استهداف برنامج إيران النووي، وما قد يترتب عليه من آثار مستقبلية.
في الثالث والعشرين من حزيران/يونيو، عقد معهد واشنطن منتدى سياسياً افتراضياً شارك فيه دانا سترول، ومايكل هيرتسوغ، ودينيس روس. تشغل سترول حالياً منصب مديرة الأبحاث في المعهد وزميلة كاسين البارزة، وقد تولت سابقاً منصب نائبة مساعد وزير الدفاع لشؤون الشرق الأوسط في إدارة بايدن. أما هيرتسوغ، فهو لواء متقاعد في جيش الدفاع الإسرائيلي، شغل منصب السفير الإسرائيلي لدى الولايات المتحدة بين عامي 2021 و2025، وعاد الآن إلى المعهد بصفته زميلاً بارزاً في برنامج تيش. أما روس فهو زميل متميز في المعهد، تولى مناصب رفيعة في البيت الأبيض ووزارة الخارجية خلال إدارات ريجان، وبوش، وكلينتون، وأوباما.
فيما يلي ملخص للملاحظات التي أدلى بها المشاركون.
ملاحظة: عُقِد هذا المنتدى قبل الضربة الانتقامية التي شنتها طهران على منشآت أمريكية في قطر، والإعلان اللاحق عن وقف إطلاق النار بين إيران و"إسرائيل". ومن ثم، فإن المناقشة لا تعكس تلك التطورات.
دانا سترول
عقب هجوم "حماس" على إسرائيل في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وضع الرئيس بايدن توقعات واضحة ومدروسة بشأن استخدام القوة العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط، والتي تمثلت في: حماية القوات الأمريكية، ودعم دفاع إسرائيل، ومنع تصعيد الحرب في غزة. لذلك أمر بايدن بزيادة كبيرة في الانتشار العسكري الأمريكي، بينما شكلت القيادة المركزية الأمريكية تحالفاً جوياً متعدد الأطراف للتصدي لهجمات إيران الصاروخية وهجمات الطائرات المسيرة. ويُعد قرار الرئيس ترامب في الحادي والعشرين من حزيران/يونيو بشن ضربة عسكرية على المواقع النووية الإيرانية تحولاً كبيراً عن هذا النهج، وانتقالاً من الموقف الدفاعي إلى الموقف الهجومي.
أظهرت الضربة، التي أُطلق عليها اسم "عملية مطرقة منتصف الليل"، قدرات غير مسبوقة للجيش الأمريكي، تطلبت مزيجاً من الدقة والاحتراف والتنسيق لا تقدر على تحقيقه أي قوة مسلحة أخرى، لا سيما على هذا البُعد الجغرافي. كانت العملية لافتة من عدة جوانب: من حيث سرعتها، التي تُعزى جزئياً إلى تقليل الاتصالات بين طياري طائرات B-2 إلى الحد الأدنى بعد الإقلاع؛ ومن حيث التنسيق المحكم بين القيادات القتالية الأمريكية ونظيرتها الإسرائيلية؛ فضلاً عن كونها شهدت أول استخدام عملي لقنابل "اختراق التحصينات الضخمة" (MassiveOrdnancePenetrator). إن تنفيذ عملية بهذه الدرجة من التعقيد يعكس تخطيطاً طويل الأمد، ويُعزى نجاحها التكتيكي إلى حد كبير إلى وفرة الموارد، والتدريبات المشتركة، والتخطيط المتواصل على مدى سنوات.
رغم تنفيذ الضربة بدقة شبه مثالية، فإن مدى الأضرار التي لحقت بالعناصر الحيوية في البرنامج النووي الإيراني لا يزال غير واضح. وبصرف النظر عن حجم الدمار المادي، فإن أي عملية عسكرية لا يمكنها بمفردها القضاء على البرنامج بشكل كامل ودائم. من المرجّح أن إيران نقلت بعض المكونات النووية من مواقع بارزة مثل منشأة فوردو قبل تنفيذ الهجوم، كما أن النظام ما زال يحتفظ بالمعرفة والخبرة اللازمتين لبناء سلاح نووي، رغم عمليات الاغتيال التي استهدفت كبار المسؤولين الدفاعيين والعلماء النوويين. لذلك، يبقى التوصل إلى حل دبلوماسي ضرورة لمعالجة التهديد النووي على المدى الطويل.
تأمل إدارة ترامب أن تؤدي عملية "مطرقة منتصف الليل" والعملية الإسرائيلية "الأسد الصاعد" إلى دفع إيران إلى العودة إلى طاولة المفاوضات، كما أنها مستعدة لتقديم تنازلات ذات مغزى. ورغم أن هذا السيناريو يظل ممكناً، فإنه ليس الاحتمال الوحيد. فقد تستأنف طهران المفاوضات مع التمسك بمواقفها المتشددة، أو قد ترفض العودة إلى المحادثات تماماً، وهو ما قد يدفع الولايات المتحدة إلى تنفيذ جولة جديدة من الضربات.
وبصرف النظر عن الخيار الدبلوماسي الذي ستتخذه إيران، من المرجّح أن تُقدم على رد عسكري، ولو لأغراض داخلية تتعلق بالحفاظ على هيبة النظام. وقد يتجسد هذا الرد في هجمات تنفذها الميليشيات الموالية لطهران، أو ضربات ضد القوات الأمريكية المنتشرة في المنطقة، أو استهداف منشآت الطاقة في الخليج في محاولة لخلق توتر بين واشنطن وشركائها، أو من خلال تفعيل خلايا نائمة حول العالم، بما في ذلك داخل الولايات المتحدة نفسها.
مايكل هيرتسوغ
ثمة رابط مباشر يربط الحرب الحالية مع إيران بأحداث السابع من أكتوبر. فرغم أن الهجوم الوحشي الذي شنته "حماس" على إسرائيل لم يكن منسّقاً تكتيكياً مع بقية مكونات "محور المقاومة" الإيراني، فإنه جاء في سياق استراتيجية طويلة الأمد تتبعها طهران بهدف تدمير إسرائيل. لم تكن هذه الاستراتيجية مجرّد رؤية، بل خطة عملياتية واضحة المعالم ذات إطار زمني محدد، تضمنت تعزيز قدرات جميع قوى "المحور". ومع انطلاق هجوم السابع من أكتوبر، أدّت التصورات المتزايدة حول ضعف إسرائيل وهشاشتها إلى تحفيز إيران و"حزب الله" وبقية أعضاء المحور على بدء حملاتهم العسكرية الخاصة. ونتيجة لذلك، توصلت القيادة الإسرائيلية إلى قناعة مفادها أن هذه الحرب لا يمكن أن تُحسم في غزة وحدها، بل تتطلب مواجهة شاملة للمحور الإيراني بأكمله.
وبعد إحراز النصر على المحور، بدأت إسرائيل تُركز على "الجائزة الكبرى"، أي برنامج إيران النووي. ففي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وُضعت خطة عسكرية لتحييد القدرات الاستراتيجية لطهران، استناداً إلى معلومات استخبارية جديدة تفيد بأن النظام الإيراني استأنف خطواته نحو امتلاك سلاح نووي، إلى جانب إعادة بناء قدراته الصاروخية بوتيرة أشد خطورة. وكان الهدف من هذه الخطة هو إضعاف التهديدات النووية والصاروخية بشكل كبير، وتهيئة الظروف اللازمة لتحييد البرنامج النووي بالكامل، سواء بالوسائل الدبلوماسية أو العمليات العسكرية اللاحقة.
رغم أن خطة نوفمبر/تشرين الثاني جاءت بدافع الضرورة، فإنها استفادت من الفرصة الاستثنائية التي أتاحها ضعف إيران في أعقاب تفكيك "حزب الله"، وتصاعد الثورة ضد نظام الأسد، وتقليص القدرات الصاروخية الإيرانية نتيجة الضربات الإسرائيلية التي نُفذت في الشهر السابق. من جهتهم، يبدو أن المسؤولين الإيرانيين أخفقوا في إدراك حجم التحول الذي طرأ على إسرائيل بعد هجوم السابع من أكتوبر، والمتمثل في أنها لم تعد مستعدة للتسامح مع تراكم التهديدات من أعداء تعهدوا علناً بتدميرها.
لقد بدأت الحملة الحالية بعنصر المفاجأة، حيث تضمنت الضربات الأولية حرية التحليق في الأجواء الإيرانية وفوقها، واستهدفت قمة المؤسسة الدفاعية العليا للنظام، مما أدى أيضاً إلى تعطيل عملية اتخاذ القرار المتعلقة بـالرد المحتمل. وتركزت العملية في المقام الأول على تدمير الصواريخ ومنصات الإطلاق، ويُعتقد أن نحو ثلثي هذه الترسانة قد دُمرت أو خرجت عن الخدمة. كما استهدفت العملية تحييد جميع المكونات الرئيسية للبرنامج النووي الإيراني. ورغم أن النتائج النهائية ما تزال قيد التقييم، فإن المؤشرات الأولية تفيد بأن إيران قد تكبدت خسائر فادحة على مختلف هذه الجبهات.
كذلك انطلقت الحملة بموافقة أمريكية، ومع إدراك مسبق بأن واشنطن ستدعم إسرائيل بقوة في الدفاع عن نفسها. لم تكن القيادة في القدس واثقة في البداية من احتمال انخراط القوات الأمريكية في تنفيذ ضربات هجومية ضد البرنامج النووي الإيراني، لذلك وضعت خططاً تُمكنها من تحقيق أهدافها منفردة. وحين قررت واشنطن المشاركة في الضربات، شكل ذلك نقطة تحول مفصلية، من حيث ضمان تدمير القدرات النووية الإيرانية، وتسريع انتهاء الحرب، وتأكيد الالتزام بمنع طهران من إعادة بناء تلك القدرات.
رغم الانقسام العميق بين الإسرائيليين حول العديد من القضايا، يتفق معظمهم على ضرورة التصدي للتهديد الإيراني. وقد وفّر هذا الإجماع للحكومة قاعدة دعم واسعة للحملة الحالية، حتى عندما استدعت الردود الإيرانية تضحيات جسيمة من المدنيين. كما يُعرف المجتمع الإسرائيلي بصلابته، ويتمتع بروح تجعل أفراده مستعدين لتحمّل الثمن المطلوب لإزالة التهديد الوجودي.
تعتمد الخطوات التالية في هذا الصراع إلى حدٍّ كبير على كيفية رد طهران على الضربة الأمريكية. في هذا السياق، يمتلك النظام الإيراني مجموعة من خيارات الانتقام، لكنه أضعف مما كان عليه منذ عقود، ويواجه العديد من المخاطر، لذا من المرجح أن يكون بالإمكان دفعه إلى تقليص رد فعله. ومع ذلك، من غير المرجح أن تعود طهران إلى طاولة المفاوضات في وقت قريب.
مع انتهاء الحرب، ينبغي على إسرائيل والولايات المتحدة أن تبقيا في حالة يقظة، مع الحفاظ على حرية التصرف تجاه أي محاولات إيرانية لإعادة بناء برنامجها النووي. ويثير القلق بشكل خاص مخزون النظام من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 بالمئة - ما الكمية التي نجت من الاستهداف؟ وأين اختفت؟ وهل تنوي إيران استخدامها لاغراض تسليحية؟ لا تشمل أهداف إسرائيل في هذه الحرب تغيير النظام، ولسبب وجيه - فهذا أمر ينبغي أن يحققه الشعب الإيراني بنفسه. ومع ذلك، أشار بعض المسؤولين الإسرائيليين إلى أن لديهم القدرة على استهداف المرشد الأعلى إذا لزم الأمر، وقد رُبطت بعض أهداف العملية بزعزعة استقرار النظام في طهران. وكان الهدف من هذه الخطوات توجيه رسالة واضحة إلى القيادة الإيرانية مفادها أنها قد تفقد قبضتها على السلطة إذا تصاعدت الأزمة، مع تهيئة الظروف التي قد تؤدي إلى زعزعة استقرار النظام بعد الحرب إذا قرر الشعب الإيراني اتخاذ هذا المسار. وكان من الواضح أن الشعب الإيراني لن يثور ضد النظام في وقت كانت فيه الطائرات الإسرائيلية تقصف الأراضي الإيرانية. على الصعيد الإقليمي الأوسع، يُأمل أن يُسهم تعزيز الردع الإسرائيلي والأمريكي في تحقيق تقدم نحو حل الصراع في غزة، بناءً على الإفراج عن جميع الرهائن المتبقين، وفي دفع عملية تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية. كما ينبغي للمسؤولين إجراء مراجعة شاملة لمتطلبات ترسيخ الشراكة الدفاعية الفريدة بين الولايات المتحدة وإسرائيل ضمن هذا الواقع الاستراتيجي الجديد في الشرق الأوسط.
دينيس روس
رغم أن عملية "مطرقة منتصف الليل" كانت إنجازاً عسكرياً استثنائياً، فإن البراعة التكتيكية التي أظهرتها قد تذهب أدراج الرياح إذا لم تُترجمها واشنطن إلى نتائج سياسية دائمة. وتُعد هذه اللحظة فرصة سانحة إذا أُديرت بشكلٍ صحيح.
أما بالنسبة لإيران، فإن بقاء النظام هو الأهم. وفي حين أن المرشد الأعلى علي خامنئي سيحتاج إلى الرد على الضربة الأمريكية بطريقة ما، فإن ضعف إيران الحالي يعني أن أي انتقام - على الأقل في المستقبل القريب - سيكون محدوداً ورمزياً إلى حد كبير. إن عدم الرد مطلقاً من شأنه أن يعكس ضعفاً شديداً قد يهدد بقاء النظام؛ وهذا الخطر ذاته يفسر سبب سعي طهران تاريخياً لتجنب الصراع المباشر مع الولايات المتحدة. لذلك، يجب على إدارة ترامب أن تدرك حاجة النظام إلى إجراء يحفظ ماء الوجه. كما أنه سيكون من الأسهل على طهران أن تستجيب بشكل إيجابي لشروط وقف إطلاق النار إذا جاءت من روسيا أو الصين أو قطر بدلاً من واشنطن.
ومع ذلك، وبصرف النظر عن محاولات إيران لحفظ ماء الوجه، فإنّ الأحداث التي وقعت خلال الأيام العشرة الماضية قد قوّضت إلى حد كبير التصوّرات الإقليمية والدولية بشأن قوتها. لقد انكشفت الجمهورية الإسلامية كـقوة جوفاء، وتلاشت قدرتها على إكراه المنطقة. هذا هو الوقت المناسب لبناء التحالف الإقليمي الذي تصورته الولايات المتحدة وسعت إليه منذ فترة.
قد يؤدي ضعف إيران الحالي إلى احتمال تغيير النظام، رغم أن هذا الاحتمال معقد بسبب عاملين حاسمين: أولاً، غياب معارضة منظمة داخل إيران (مع وجود جالية منشقة في الخارج)؛ ثانياً، الحاجة إلى سلطة موثوقة في طهران يمكن للولايات المتحدة التفاوض معها. قد يكون من مصلحة الولايات المتحدة شن حملة إعلامية لتشجيع تكوين معارضة موثوقة داخل البلاد، لكن قيمة مثل هذه الخطوة ستعتمد إلى حد كبير على وضع المفاوضات وكيفية موازنة إدارة ترامب لهذه التوترات بين تلك المصالح.
أما بالنسبة لـرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، فقد كانت إيران دائماً "مصدر تهديد" بالنسبة له. وهو يدرك أن إنهاء التهديد أمر مهم في حد ذاته، وأنه قد يخفف من وصمة العار التي لحقت بـحرب غزة. إن النجاح ضد إيران سيضعه في وضع أفضل لإخراج الرهائن المتبقين من غزة، والتوصل إلى وقف لإطلاق النار مع "حماس"، والانتقال إلى مناقشة حقيقية ووشيكة حول استراتيجية "اليوم التالي" التي تضمن الأمن والازدهار للإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء. كذلك، فإن الرئيس ترامب لديه فرصة لاغتنام اللحظة، وإلا فسيعاني من الآثار المحلية والدولية لهذه الحرب طوال ما تبقى من ولايته.
أعد هذا الملخص كليري والدو. تم إعداد سلسلة منتدى السياسات بفضل سخاء عائلة طفلورنس وروبرت كوفمان".