
- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 4079
السعي لتحقيق مصالحة بين إسرائيل وسوريا فى مرحلة ما بعد الأسد

يبحث فريق من الخبراء الأمريكيين والإسرائيليين والسوريين إمكانات التعاون والتطبيع بين الطرفين المتحاربين منذ زمن طويل، بما في ذلك دور الولايات المتحدة في تحقيق مثل هذه الصفقة.
في العاشر من تموز/ يوليو، عقد معهد واشنطن منتدى سياسي افتراضي شارك فيه ريم العلاف وإيهود يعاري وهارون زيلين وأندرو تابلر. العلاف هي مستشارة سورية، ومخططة استراتيجيات اتصال، ومؤلفة كتاب "بدأت في دمشق ". يعاري هو زميل "ليفر" الدولي في معهد واشنطن، ومعلق لشؤون الشرق الأوسط في القناة الثانية عشر الإسرائيلية. زيلين هو زميل أقدم في برنامج الزمالة "غلوريا وكين ليفي" في المعهد ومؤلف كتاب عصر "الجهاد السياسي: دراسة عن هيئة تحرير الشام". أما تابلر فهو زميل أقدم في برنامج الزمالة "مارتن ج. غروس"، والمستشار الأول للمبعوث الخاص للولايات المتحدة لشؤون سوريا. فيما يلي ملخص المقرر لملاحظاتهم.
ريم العلاف
في تاريخ المفاوضات بين سوريا وإسرائيل، يبرز تاريخان مهمان: 1991 و2025. في أوائل التسعينيات، دخلت الحكومتان في مفاوضات مباشرة لأول مرة تحت رعاية الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، بهدف البناء على اتفاق فصل القوات لعام 1974. في ذلك الوقت، كان يُنظر للسلام بوصفه بوابة للتطبيع مع سوريا وجزءً من تفاهمات إقليمية أوسع نطاقاً بشأن عدم الاعتداء.
ومن ثَم، لاقت فكرة إيجاد شكل من أشكال فك الارتباط بين سوريا وإسرائيل، حتى وإن لم يصل الأمر إلى سلام كامل، استجابة إيجابية ساحقة من الرأي العام، حيث يرغب الشعب السوري في العودة إلى اتفاقية عام 1974. كما اتخذ المسؤولون السوريون بالفعل خطوات كبيرة نحو التطبيع مع إسرائيل في حقبة ما بعد الأسد. وحتى لو ثبت أن التوصل إلى اتفاق سلام رسمي أو إلى ترتيب شبيه باتفاقيات "أبراهام" أمر بعيد المنال، فإن تعزيز تنفيذ اتفاقية عام 1974 أو السير في مسار التطبيع يظلان خيارين ممكنين.
ثمة بعض الصحة في النظرية القائلة بإن سوريا وإسرائيل تقفان معاً ضد إيران، لكن على المراقبين توخّي الحذر من تبسيط العلاقة إلى هذا الحد. فقد كرر الرئيس أحمد الشرع مراراً أن الدولة السورية لن تنخرط في أي عدوان، وأن أيام المقاومة قد ولت. ومع ذلك، أثارت الإجراءات الإسرائيلية الأخيرة استياء السكان المحليين. ويقول معظم السوريين إن على الحكومة الإصرار على استعادة هضبة الجولان بوصفها هدفاً أدنى خلال المفاوضات.
ومن الجدير بالذكر أن البعد الإسلامي لحكومة الشرع لا ينبع من توجه خارجي أو أممي، بل يستمد جذوره من الهوية العربية والسورية، بل وحتى الدمشقية التي كانت سائدة في العصر الأموي. كثير من السوريين يتشبثون بهذه الفترة المجيدة من ماضي سوريا ويرون فيها نموذجاً لاعتماد توجه أقل عدوانية.
أما بالنسبة للأطراف الخارجية، فتتمتع سوريا الآن بدعم المملكة العربية السعودية وتركيا والأردن، إلى جانب الدعم اللافت من الرئيس ترامب. ولهذه الدول وغيرها مصلحة واضحة في استقرار الوضع. علاوة على ذلك، تضغط أنقرة وواشنطن على "قوات سوريا الديمقراطية" التي يقودها الأكراد للاندماج في الدولة الجديدة، وهو تطور إيجابي بالنسبة لحكومة الشرع.
إيهود يعاري
تشترك كلا من إسرائيل والحكومة السورية الجديدة في عدد غير قليل من الأعداء والمصالح المشتركة. عندما استولت "هيئة تحرير الشام" على البلاد في كانون الأول/ديسمبر، نشأ فراغ في جنوب سوريا، مما دفع إسرائيل إلى تعزيز موقفها الدفاعي هناك تحسباً لمحاولة أي طرف معادٍ ملء الفراغ. على الرغم من الضعف الكبير الذي أصاب "حزب الله" وإيران، فأنهما لا يزالان يحاولان إعادة تأكيد نفوذهما في هذه المناطق. في المقابل، تتعامل تركيا بحذر شديد مع سوريا الجديدة، وهناك تفاهم ضمني بين أنقرة والقدس حول ملامح تحركاتها.
على مدار النصف الأخير من العام، وسعت إسرائيل علاقاتها مع السكان الدروز في سوريا، لذا قد تضطر دمشق إلى مواصلة قبول هذا التطبيع الفعلي. وفى الوقت الراهن، اتخذت الاتصالات بين حكومة الشرع والقدس مسارأ جدياً للغاية، لكن سوريا لن تنضم إلى اتفاقيات "أبراهام"، لأن كلتا الحكومتين غير مستعدتين للتنازل عن هضبة الجولان. ومع ذلك، فهما على استعداد للعمل على تحسين اتفاقية عام 1974. قد تكون النتيجة النهائية إبرام اتفاق عدم اعتداء لا ينطوي على تطبيع كامل، ولا على إدراج الشرع إدراجاً تاماً في اتفاقيات "أبراهام".
كما يرغب البلدان في منع "حزب الله" وإيران من إعادة ترسيخ وجودهما. ويُعد التعاون في هذا المجال أمراً حيوياً، وهو قائم بالفعل، ولو جزئياً. على الرغم من أن خسارة إيران لممرها البري لصالح "حزب الله" قد تركت الجماعة معزولة نِسبياً في المنطقة، يجب على سوريا وإسرائيل مواصلة مراقبة الحدود بين لبنان وسوريا.
يمكن لإسرائيل أيضاً تزويد سوريا بالغاز الطبيعي من حقولها في شرق البحر الأبيض المتوسط. يسعى العديد من اللاعبين في المنطقة إلى المساهمة في إعادة إعمار سوريا، ومن المرجح أن يموّلوا مشروع تزويدها بالغاز الطبيعي. وتشمل المصالح المشتركة الأخرى تأمين الحدود مع الأردن وإدارة روافد حوض نهر اليرموك. في الواقع، يمكن إنجاز الكثير دون التوصل إلى اتفاق سلام أو توسيع اتفاقيات "أبراهام"، بما في ذلك تحسين التجارة والسياحة وحقوق الطيران. ومن ثم، تبرز العديد من الفرص المتاحة، وسيستفيد كلا البلدين من السعي إلى تحقيقها.
هارون ي. زيلين
لقد قطع الشرع ورفاقه شوطاً طويلاً منذ مهمتهم الجهادية العالمية الأولى. والآن، بعد أن صاروا يقودون الحكومة الجديدة، عليهم التعامل مع مجموعة من الاعتبارات الأخرى، سواء داخل حركتهم أو داخل المجتمع السوري.
أما بالنسبة إلى إعادة العلاقات مع إسرائيل، فقد اتخذت دمشق حتى الآن نهجاً متحفظاً نسبياً تجاه هذه القضية، وكررت مراراً رغبتها العامة في إحلال الهدوء في المنطقة. كما يتقاسم البلدان العديد من المصالح التي تخدم هذا الهدف الأوسع، بدءاً من مكافحة تهريب أسلحة "حزب الله"، مروراً بمحاربة "تنظيم الدولة الإسلامية"، وانتهاءً بالحد من تجارة الكبتاغون. علاوة على ذلك، منذ سقوط نظام الأسد، عملت دمشق بناءً على معلومات استخباراتية من الحكومة الأمريكية بشأن مخططات "تنظيم الدولة الإسلامية"، مما أدى إلى خلق علاقات طيبة بين الحكومتين. وبالمثل، عززت الحكومة الجديدة النوايا الحسنة مع إسرائيل من خلال ملاحقة بعض الجماعات الإرهابية الفلسطينية داخل سوريا وإعادة أرشيف الجاسوس المقتول إيلي كوهين. ولا شك أن دمشق ترغب في أن تعود إسرائيل إلى "سياسة حسن الجوار" التي كانت تنتهجها قبل عقد من الزمن، عندما ساعدت في علاج عناصر المعارضة السورية المصابين خلال الحرب الأهلية.
والجدير بالذكر أن الشرع و"هيئة تحرير الشام" حافظتا على موقف مؤيدٍ للفلسطينيين في العديد من القضايا المتعلقة بإسرائيل في السنوات التي سبقت الإطاحة بالأسد. على سبيل المثال، احتفلت "هيئة تحرير الشام" بهجوم "حماس" في السابع من أكتوبر، ثم أشادت لاحقاً بقادة "حماس" الذين قُتلوا خلال حرب غزة، بمن فيهم إسماعيل هنية ويحيى السنوار. لكن منذ توليهم السلطة، غيّر المسؤولون نبرة خطابهم وأصبحوا أكثر براغماتية، مدركين أن أي صراع مع إسرائيل قد ينتهي بهم إلى مصير حماس و"حزب الله". ومع ذلك، أعرب بعض أعضاء "هيئة تحرير الشام" السابقين الذين لا ينتمون إلى الحكومة الجديدة عن ارتياحهم عندما تسببت الهجمات الإيرانية الأخيرة على إسرائيل في بعض الأضرار للبنية التحتية. (وهم أيضاً لا يحبون إيران، لكنهم اعتبروا الضربات عقاباً مستحقاً لسياسات إسرائيل في غزة).
في المستقبل، يعد اتفاق عدم الاعتداء هو المسار الأكثر واقعية؛ فمن الضروري بناء المزيد من الثقة قبل الانتقال إلى اتفاق سلام شامل أو وضع مشابه لاتفاقات "أبراهام". ومن المرجح أن تضطر إسرائيل إلى الانسحاب جزئياً من المناطق التي احتلتها داخل محافظة القنيطرة منذ سقوط النظام، لأن أنشطتها هناك تؤثر سلباً على الزراعة وإمدادات المياه للسكان المحليين، وأيضاً بسبب الضغط الداخلي الإضافي الذي تخلقه هذه التوغلات على حكومة الشرع.
وفي الوقت نفسه، يجب على صناع القرار الاستمرار في مقارنة أقوال حكومة الشرع بأفعالها. لكن لا ينبغي لأحد الانشغال في سرد سلوك "هيئة تحرير الشام" قبل انشقاقها عن الحركة الجهادية العالمية في عام 2016، فقد تغير الوضع كثيراً منذ ذلك الحين، حيث أسس الشرع ومحيطه سجلاً مستقلاً عن تلك الارتباطات السابقة على مدى تسع سنوات. وهم الآن يشتركون في العديد من المصالح مع إسرائيل والجهات الفاعلة الإقليمية الأخرى والولايات المتحدة. وإذا أبدوا أي تراجع، فسيكون ذلك ملحوظاً على الفور، ويمكن للجهات الفاعلة الأجنبية أن تغير سياساتها بسرعة حسب الحاجة.
أندرو ج. تابلر
أتاحت دعوة الرئيس ترامب في الثالث عشر من أيار/ مايو لرفع جميع العقوبات عن سوريا فرصة نادرة لدمشق لتحسين علاقتها مع واشنطن بشكل جذري. كما أعلن المبعوث الأمريكي توم باراك مؤخراً عن محادثات غير مباشرة بين الشرع وإسرائيل، مشيراً بشكل خاص إلى إمكانية إبرام اتفاق عدم اعتداء.
ومن شأن مثل هذا الاتفاق أن يخفف التوترات التي تفاقمت جراء الهجمات والتوغلات عبر حدود الجولان. بالإضافة إلى ذلك، سيُمكن هذا الاتفاق الشرع من التركيز على استقرار بقية البلاد، وإعادة توجيهها بعيداً عن إيران، وفرض سيطرة الدولة على المزيد من الأراضي السورية، ومعالجة النقاط الخمس التي أثارها ترامب في الثالث عشر من أيار/مايو، والتي تتضمن، الانضمام إلى اتفاقات "أبراهام"، ومعالجة تحدي المقاتلين الأجانب، وطرد الجماعات الفلسطينية المتطرفة، ومواصلة العمليات ضد "تنظيم الدولة"، والسيطرة على مراكز الاحتجاز التي تضم آلاف أعضاء التنظيم وعائلاتهم. حتى الآن، أظهرت دمشق بوادر إيجابية في التعامل مع جميع هذه القضايا تقريباً.
لا يركز نهج إدارة ترامب على إعادة بناء الدولة، بل على تقييم مدى قدرة الأسد على تحقيق الاستقرار في البلاد والوفاء بالتزاماته. وعلى وجه الخصوص، يتطلع المسؤولون إلى رؤية كيفية تعامله مع الجماعات المنشقة عن "هيئة تحرير الشام"، ومواصلة مهمة محاربة "تنظيم الدولة"، ودمج "قوات سوريا الديمقراطية" في الجيش السوري، ومعالجة التوترات بين الحكومة والفصائل الدرزية، وتنظيم الانتخابات البرلمانية المقبلة.
يمكن لواشنطن التأثير على هذه الجهود بطريقتين أساسيتين: من خلال العملية الدبلوماسية وتوفير الحوافز الإيجابية. فالدبلوماسية جارية على قدم وساق، وقد يكون "الحافز" الأكثر فائدة هو ربط إشراف الولايات المتحدة على محادثات السلام بين إسرائيل وسوريا بمشاريع الطاقة. وقد أعلنت تركيا وقطر بالفعل عن صفقة طاقة بقيمة 7 مليارات دولار لمصلحة سوريا. في المقابل، تظل العقوبات غير مطروحة في الأفق القريب، رغم أن هذا الوضع قد يتغير في حال عدم إحراز تقدم بشأن النقاط الخمس التي طرحها الرئيس ترامب.
أما فيما يتعلق بمراقبة وتنفيذ شروط الاتفاق الذي تم التوصل إليه على الحدود بين إسرائيل وسوريا، فيبدو أن الولايات المتحدة غير راغبة في إرسال قوات برية إلى هناك. والأرجح أن طرفاً ثالثاً آخر (مثل الأمم المتحدة) سيشارك مجدداً في المفاوضات، أو أن واشنطن ستطلب من القدس ودمشق تنفيذ التزاماتهما على جانبي الحدود. وغالباً ما يكون الردع المتبادل المؤكّد أكثر فاعلية في الحفاظ على السلام من الاكتفاء بالفصل بين الطرفين. ومهما يكن الأمر، فإن كلا الجانبين يملكان دوافعهما الخاصة لتجاوز خلافاتهما واستكشاف إمكانية التوصل إلى اتفاق سلام ثنائي أو توسيع نطاق اتفاقيات "أبراهام".