
- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 4080
النهج الإسرائيلي القَبلي في غزة: معالجة آنية لمشكلة طويلة الأمد

قد توفر الميليشيات القبلية في غزة دعماً تكتيكياً محدوداً إذا خضعت لإشراف وإدارة دقيقين، لكن الاعتماد عليها لا يعدو كونه وسيلة لتأجيل المهمة الأهم وهي التوصل إلى ترتيبات سياسية جادة لما بعد الحرب.
وسط العمليات العسكرية في غزة ومفاوضات وقف إطلاق النار المتوازية بين "إسرائيل" و"حماس"، لا يزال سؤال حاسم واحد لم تتم الإجابة عليه بشكل كافٍ: من سيحكم القطاع في "اليوم التالي" لـ"حماس"؟ لقد أضعفت الحملة العسكرية "الإسرائيلية" القدرات التقليدية للجماعة وحولتها إلى قوة حرب عصابات تحت الأرض، لكن لم يظهر بديل واضح ليحل محل وظائفها الحاكمة. في هذا الفراغ، كانت "إسرائيل" تتعامل مع جهات فاعلة قبلية محلية كجزء من جهد مرتجل يهدف بشكل أساسي إلى تقويض "حماس"، مع أهداف إضافية تتمثل في استقرار المنطقة وتمكين توزيع المساعدات الإنسانية.
رغم الفوائد المحتملة قصيرة المدى، إلا أن هذا النهج يحمل مخاطر متأصلة ستحتاج إلى إدارة دقيقة. يجب على المسؤولين أيضاً أن يأخذوا في الاعتبار حقيقة أن الاعتماد على مثل هذه العشائر يؤجل معضلة "اليوم التالي" بدلاً من حلها.
ظهور الميليشيات القبلية
في مطلع حزيران/يونيو، اعترف رئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو" بتعاون "إسرائيل" مع "عناصر قبلية" لتسهيل تسليم المساعدات عبر مؤسسة غزة الإنسانية المدعومة من الولايات المتحدة. أبرز هذه العناصر هي ميليشيا مقرها رفح تُعرف باسم "القوات الشعبية" ويقودها "ياسر أبو شباب" - عضو في قبيلة الترابين البدوية الذي خلقت خلفيته في التهريب والجرائم الصغيرة احتكاكاً مستمراً مع "حماس" في الماضي وأدت إلى سجنه. رغم أن "نتنياهو" لم يذكر مجموعة "أبو شباب" بالاسم، إلا أنه من المفهوم على نطاق واسع أنه كان يشير إليهم.
وفقاً لتقارير إعلامية منذ نهاية حزيران/يونيو، تعمل ميليشيتان إضافيتان مع "إسرائيل" في غزة: إحداهما يقودها "رامي خليص"، رئيس عائلة كبيرة في مدينة غزة منتسبة لـ"فتح"، الحزب الذي يرأس السلطة الفلسطينية؛ والأخرى يقودها "ياسر خنيدق"، شخصية منتسبة لـ"فتح" تعمل في خان يونس. لكن "إسرائيل" تقدم على ما يبدو دعماً مادياً أكبر لفصيل "أبو شباب" من أي من هذه المجموعات الأخرى، مما يمكّن القوات الشعبية من العمل بصفة شبه عسكرية أكثر.
بدأت ميليشيا "أبو شباب" العمل علناً في أواخر أيار/مايو بقوة من حوالي 100-300 رجل مسلح. في منشور بتاريخ 9 حزيران/يونيو على حسابه على فيسبوك، دعا الأكاديميين والمهنيين الفلسطينيين للانضمام إلى المجموعة من أجل إنشاء لجان إدارية ومجتمعية في مناطق مختلفة، مما يعني نوعاً من البديل الحكومي المدني لـ"حماس". في 7 تموز/يوليو، زعم أن حملة التجنيد هذه أسفرت عن تقدم 6000 غزي للانضمام إلى القوات المسلحة للمجموعة و3000 آخرين للعمل في المجال المدني. هذه الأرقام مبالغ فيها تقريباً بلا شك.
مهما كان حجمها، فقد أظهرت المجموعة صورة شبه مدنية تؤكد على الخطاب الفلسطيني الشامل والإيماءات الغامضة نحو التنسيق مع مصر والسلطة الفلسطينية. ينكر "أبو شباب" علناً أي رعاية "إسرائيلية"، لكن مقاطع الفيديو والتقارير الميدانية توثق بوضوح تفاعل مجموعته في التنسيق العملياتي مع جيش الدفاع "الإسرائيلي" ومؤسسة غزة الإنسانية.
أما بالنسبة لتأثيرات مثل هذا النشاط على الأرض، فقد أفاد المتحدث باسم حقوق الإنسان في الأمم المتحدة أن 615 فلسطينياً قُتلوا في محيط مراكز توزيع المساعدات الإنسانية التابعة لمؤسسة غزة الإنسانية اعتباراً من 7 تموز/يوليو، بعضهم على ما يبدو بنيران من القوات الشعبية وميليشيات أخرى مدعومة من "إسرائيل". من غير الواضح مدى موثوقية هذه الأرقام.
من جانبها، يبدو أن "حماس" تنظر إلى صعود مجموعة "أبو شباب" كتهديد لقبضتها على غزة. في 1 تموز/يوليو، اتهمت وزارة الداخلية في "حماس" "أبو شباب" بالخيانة والتجسس، معلنة أنه يجب أن يسلم نفسه وأنه سيُحاكم حتى لو بقي طليقاً.
عجز في الشرعية
رغم جهوده لصياغة صورة عامة قوية، تعاني ميليشيا "أبو شباب" من مشكلة شرعية حادة بين الغزيين، الذين ينظرون إليه على نطاق واسع كمتعاون. حتى عشيرته منقسمة، مع قيام بعض الأعضاء بإبعاد أنفسهم علناً عن أنشطته. الاتهامات بعنف الميليشيا ضد المدنيين بالقرب من مراكز توزيع المساعدات لم تؤدِ إلا إلى تعميق العداء العام.
جعلت الإعلانات السياسية "الإسرائيلية" الأخيرة من الصعب أكثر على مجموعات مثل مجموعة "أبو شباب" أن تزرع الشرعية المحلية، حيث يُنظر إليها حتماً كأدوات لهذه السياسات. في وقت سابق من هذا الشهر، ناقش وزير الدفاع "إسرائيل كاتز" ومسؤولون آخرون علناً خططاً لإنشاء "مدينة إنسانية" في جنوب غزة لن يُسمح للسكان بالخروج منها، مما أثار مخاوف واسعة من أنها ستصبح منطقة اعتقال بحكم الأمر الواقع. هناك أيضاً قلق مستمر من أن "إسرائيل" ستسعى لإجبار الفلسطينيين على الخروج من غزة، رغم تصريح "نتنياهو" خلال رحلته الأخيرة إلى واشنطن بأن أي هجرة ستكون طوعية.
لماذا تعمل "إسرائيل" مع مثل هذه المجموعات؟
كما ذُكر أعلاه، دعم ميليشيا القوات الشعبية هو في الأساس إجراء عملياتي محدود يهدف إلى تقويض الصورة العامة لـ"حماس"، وتحسين الاستجابة للاحتياجات الإنسانية الملحة في جنوب غزة، واستقرار الوضع الأمني هناك. من هذا المنظور، دعم مثل هذه المجموعات ليس مبادرة غير منطقية أو عقيمة تماماً.
لكن استخدام الميليشيات القبلية يتناسب مع أهداف الحكومة "الإسرائيلية" الأخرى أيضاً. إنه جزئياً إجراء تكتيكي لتقليل خسائر جيش الدفاع "الإسرائيلي". كما أنه يتناسب مع منطق سياسي "إسرائيلي" أوسع - وهو السماح للحكومة بالحفاظ على السيطرة الفعلية في غزة دون تمكين "حماس" أو السلطة الفلسطينية رسمياً، ودون مواجهة المخاطر السياسية للتعامل مع السلطة الفلسطينية. هذا يتماشى مع عقيدة "نتنياهو" المُعبر عنها مراراً وهي "لا حماستان ولا فتحستان".
نموذج قديم بحدود ومخاطر متأصلة
العمل مع قوى محلية مشكوك فيها ليس جديداً على "إسرائيل"، أو العديد من البلدان الأخرى في هذا الشأن. من السبعينيات حتى انسحابها عام 2000 من لبنان، دعمت "إسرائيل" جيش لبنان الجنوبي، وهي مجموعة بقيادة مسيحية؛ كما عملت مع عناصر كتائبية هناك. السوابق الدولية البارزة تشمل "أبناء العراق" المدعومين من الولايات المتحدة والشرطة المحلية الأفغانية، وكلاهما انهار بعد الانسحابات الأمريكية. في الواقع، عانت مثل هذه المجموعات باستمرار من ضعف التماسك والفساد والولاء المحدود، والأهم من ذلك، نقص الشرعية الواسعة. حتى لو كانت قد حققت كل تلك المعايير، فإن انتساب هذه المجموعات إلى قوى أجنبية تسعى لإعادة ترتيب الحقائق السياسية المحلية كان سيجعلها غير مستدامة بمجرد تراجع دعمها الخارجي.
في غزة، يمكن للميليشيات القبلية أن تقدم فائدة تكتيكية كبيرة قصيرة المدى في تأمين طرق المساعدات، وتقليل الخسائر "الإسرائيلية"، وإضعاف احتكار "حماس" للقوة. لكن المخاطر الاستراتيجية والأخلاقية كبيرة. تمكين مثل هذه المجموعات في مجتمع مجزأ بشدة يمكن أن يسرّع الصراع الداخلي ويمكّن العناصر الإجرامية - دون رقابة صارمة، يمكن أن تتحول حتى إلى جهات فاعلة مارقة تغذي عدم الاستقرار بدلاً من تخفيفه. علاوة على ذلك، إذا استمر التصور الواسع بأنهم أدوات للاحتلال، فلن يؤدي ذلك إلا إلى تعميق المشاعر المعادية لـ"إسرائيل" بين الفلسطينيين.
توصيات سياسية
لزيادة الفعالية التكتيكية لاستخدام الميليشيات القبلية إلى أقصى حد، وتقليل ردود الفعل الاستراتيجية، وتقليل الخسائر بين المدنيين الفلسطينيين وقوات جيش الدفاع "الإسرائيلي"، ستحتاج "إسرائيل" إلى النظر في الإجراءات التالية:
- إنشاء سيطرة فعالة على مخازن أسلحة الميليشيات لمنع العناصر الإرهابية والإجرامية من الوصول إلى هذه الأسلحة.
- وضع إجراءات واضحة لاستخدام الأسلحة من أجل منع القتل الجماعي وحروب العصابات والانتهاكات الأخرى.
- دمج هذه الجهود مع استراتيجية إقليمية أوسع. يجب أن يُدمج أي ترتيب قبلي في الحوار الأوسع لـ"إسرائيل" مع مصر ودول الخليج والسلطة الفلسطينية والولايات المتحدة. من بين الفوائد الأخرى، يمكن لهذا النهج الموسّع أن يساعد الأطراف في الحفاظ على المرونة في حالة فشل النموذج القبلي.
في الوقت نفسه، يحتاج المسؤولون "الإسرائيليون" إلى الاعتراف بأن هذا النهج ليس حلاً للواقع الإنساني المعقد في غزة ولا بديلاً مناسباً لخطة سياسية متماسكة لـ"اليوم التالي". يجب أن يقتصر دور الميليشيات القبلية على الاستقرار قصير المدى؛ ولا ينبغي التفكير فيها كخيار حكم طويل المدى.
على المدى الطويل، الحل السياسي في غزة هو المسار الأكثر قابلية للتطبيق، مع كون السلطة الفلسطينية الخيار "الأقل سوءاً" بين البدائل الواقعية. لكي يحدث هذا، يجب على السلطة الفلسطينية أن تقوم بإصلاحات كبيرة في نمط حكمها تمكنها من استعادة السيطرة على غزة وبالتالي تقليل حاجة "إسرائيل" للمشاركة المباشرة في الساحة الفلسطينية.
من جانبها، يجب على "إسرائيل" أن تستوعب الضرورة الاستراتيجية لتعزيز إطار سياسي وحكومي شرعي داخل المجال الفلسطيني. وإلا فإنها تخاطر بتغذية صعود سيناريوهات أكثر إشكالية - سواء في شكل فوضى أو واقع دولة واحدة لشعبين.