- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 4144
الآلية الأمريكية-الفرنسية 2.0: منع التصعيد بين لبنان وإسرائيل
من شأن الرقابة الخارجية الفعالة أن تُسهم في تنفيذ لبنان لخطة نزع سلاح "حزب الله"، مما يحد من التصعيد العسكري الإسرائيلي الوشيك ويحمي الإنجازات الدبلوماسية الأخيرة على طريق التوصل إلى معاهدة سلام في نهاية المطاف.
للمرة الاولى منذ إنشائها في تشرين الثاني/نوفمبر 2024، شهدت الآلية الأمريكية -الفرنسية المشتركة المكلفة بمراقبة اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان تحولًا لافتًا. فقد شارك في آخر اجتماع لها ممثلون مدنيون من كلا الجانبين: سيمون كرم، السفير اللبناني السابق لدى الولايات المتحدة الذي عارض علناً السيطرة السورية على بلاده في التسعينيات، وأوري ريسنيك، مدير السياسة الخارجية في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي.
على الرغم من أن مشاركتهم كانت استجابة مرحب بها لهدف واشنطن الطويل الأمد المتمثل في توسيع الحوار بين لبنان وإسرائيل، فإن وتيرة نزع سلاح "حزب الله" تظل المسألة الأكثر أهمية، لذلك فإن توسيع نطاق المناقشات وحده قد لا يمنع الانهيار. لقد ساعدت الآلية الأمريكية - الفرنسية في وقف الحرب العام الماضي ويمكنها إنقاذ وقف إطلاق النار في العام الحالي، ولكن فقط إذا شاركت واشنطن وباريس وشركاؤهما بقوة في تسهيل عملية نزع السلاح وإنشاء إطار للحوار المستمر بين إسرائيل ولبنان. فبدون هذا التدخل من طرف ثالث، فإن التصعيد وحتى العودة إلى الحرب هما السيناريوهان الأكثر احتمالاً في الأشهر المقبلة.
السنة الأولى للآلية
تولّت "الآلية الدولية للرصد والتنفيذ"، التي ترأسها الولايات المتحدة ويشارك فيها ممثلون عن إسرائيل ولبنان وفرنسا وقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل)، مهمة إنهاء المفاوضات الخاصة بإنهاء الحرب، والإشراف على الامتثال لشروط وقف إطلاق النار، والتحقق من تفكيك البنية التحتية العسكرية لـ"حزب الله"، بدءاً من الجنوب. وقد أتاح تولي الولايات المتحدة زمام المبادرة إجراء محادثات عسكرية بين إسرائيل ولبنان مرة أخرى، حيث عُقدت ثلاثة عشر اجتماعاً من هذا النوع خلال السنة الأولى من إطلاق الآلية ، وكانت استكمالاً لـ"الاجتماعات الثلاثية" التي عقدتها قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) في الفترة من 2006 إلى 2023.
أدى هذان التطوران إلى جعل الوضع في تشرين الثاني/نوفمبر 2024 مختلفاً تماماً عما كان عليه بعد انتهاء الحرب السابقة في آب/أغسطس 2006. أولاً، تم تدمير "حزب الله" جراء الحرب، وبخلاف عام 2006، لم يتمكن من إعلان النصر بشكل جدي. ثانياً، وافقت واشنطن على رسالة جانبية تسمح لجيش الدفاع الإسرائيليبالرد على التهديدات الوشيكة من "حزب الله" وانتهاكات وقف إطلاق النار في جنوب لبنان في أي وقت، وكذلك في بقية أنحاء البلاد إذا فشلت القوات المسلحة اللبنانية (LAF) في التصدي للانتهاكات بعد الإبلاغ عنها.
توسيع نطاق الآلية ليشمل "القضايا المدنية "
يُعد إدراج مسؤولين مدنيين في مناقشات "آلية المراقبة والتنفيذ الدولية" خطوة أولى حيوية، لكن النجاح سيظل مرهوناً بتحقيق نتائج ملموسة. ففي آذار/مارس، أعلنتمورغان أورتاغوس، نائبة المبعوث الخاص للولايات المتحدة إلى الشرق الأوسط في ذلك الوقت، أن واشنطن ستجمع البلدين معاً لحل قضايا حساسة مثل السجناء اللبنانيين المحتجزين في إسرائيل والنقاط الحدودية الخمس التي لا تزال وحدات الجيش الإسرائيلي البرية منتشرة فيها داخل لبنان. ومع ذلك، لم تُشكل مجموعات العمل قط. أما اليوم، يوفر توسيع قاعدة المشاركين نهجاً جديداً لتعزيز الحوار حول هذه القضايا، كما دعت أورتاغوس مؤخراً في دورها الحالي كممثلة خاصة للولايات المتحدة في لبنان.
وقد كان الدافع وراء هذا التحول إلى حد كبير هو الرئيس جوزيف عون، الذي أشارفي خطاب ألقاه في 21 تشرين الثاني/نوفمبر إلى استعداد بيروت للتفاوض على اتفاق لإنهاء الهجمات عبر الحدود، مما يعكس تأييده للحوار المباشر. وعزز رئيس الوزراء نواف سلام هذا التحول بإصراره على أن "حزب الله" يجب أن ينزع سلاحه، بحجة أن أسلحته لا تردع إسرائيل ولا تحمي لبنان. حتى رئيس البرلمان نبيه بري، حليف "حزب الله"، أيد قرار توسيع جدول أعمال الآلية بإضافة المدنيين.
على الرغم من أن توسيع نطاق المناقشات يسهم في تحسين نتائج التفاوض على المدى القريب ويعزز من فرص التوصل إلى معاهدة سلام بين إسرائيل ولبنان في المستقبل، فإن هناك عاملين يمكن أن يؤديا إلى تقويض هذه الانفراجات الدبلوماسية الجديدة: (1) المزيد من الإشارات المتضاربة من لبنان حول "احتواء " "حزب الله" بدلاً من "نزع سلاحه" شمال نهر الليطاني، وهو نهج لن يفيبالتزامات بيروت بموجب اتفاق وقف إطلاق النار، و(2) تصعيد عسكري إسرائيلي رداً على الثغرات في امتثال لبنان على الأرض. يمكن أن توفر الآلية الأمريكية - الفرنسية لجميع الأطراف الهيكل والوضوح اللازمين للاستجابة لهذه التحديات وإحراز تقدم ملموس نحو نزع السلاح الكامل.
سد الفجوة في التصورات على الجبهة العسكرية
رغم الإنجازات التي حققتها الآلية بين إسرائيل ولبنان، أعرب مسؤولون من الجانبين عن خيبة أملهم من فعالية الآلية بشكل عام. فإسرائيل لا تثق في التزام لبنان بنزع سلاح "حزب الله" وتتهمه بالاستجابة البطيئة (أو عدم الاستجابة على الإطلاق) للمعلومات الاستخباراتية المشتركة. في المقابل، ردت بيروت بأن الجيش الإسرائيلي غالباً ما يُخفى معلومات عن الضربات العسكرية المرتقبة، وأن الإخطارات الإسرائيلية أدت في بعض الأحيان إلى قيام الجيش اللبناني بتحويل موارده المحدودة إلى عمليات بحث غير ضرورية.
ومع ذلك، يجب على لبنان أن يعترف بأنه لا يوجد بديل للنظام الحالي، نظراً لأن القوات المسلحة اللبنانية تعتمد بشكل كبير على المعلومات الاستخباراتية المشتركة التي توفرها الآلية. ووفقاً لوجهة نظر واشنطن، يتحمل الجيش اللبناني مسؤولية إثبات تنفيذ خطة نزع السلاح التي اعتمدتها الحكومة اللبنانية في أيلول/سبتمبر. ومن بين الطرق التي يمكن من خلالها إظهار جدية نهج لبنان رفع السرية التي تحيط بهذه الخطة (انظر أدناه)، والتي ألقت بظلال الشك على استعداد السلطات لتنفيذها.
التوصيات
إذا كانت الولايات المتحدة وشركاؤها يسعون لتجنب السيناريو الوشيك المتمثل في انهيار وقف إطلاق النار وتصعيد عسكري، فعليهم الموافقة على إجراءات القوات المسلحة اللبنانية والتحقق منها، ووضعها في صيغة رسمية، بدءًا من جنوب الليطاني، مع التركيز على الخطوات التالية:
توسيع نطاق الآلية لمراقبة خطة نزع السلاح وبناء الثقة بين الجانبين . خلال الاجتماع الأخير للآلية، أعرب لبنان وفقاً للتقاريرعن انفتاحه على اقتراح مراقبة تقدم القوات المسلحة اللبنانية. وسيكون هذا تطوراً مرحباً به - فوفقاً للمناقشات مع مختلف المسؤولين، ركزت اجتماعات الآلية خلال العام الماضي في كثير من الأحيان على الاعتراف بالاختلافات بين وجهات نظر إسرائيل ولبنان حول كيفية ومكان نزع سلاح "حزب الله" بدلاً من حلها. وبعد تقييم تقديرات كل طرف، لم يتمكن رئيس الآلية الأمريكي من تأكيد أو نفي أي منهما بشكل كامل. قد يكون رد فعل واشنطن الفوري هو الثقة في تقديرات الجيش الإسرائيلي، لكن دورها كرئيس للآلية يستلزم أيضاً النظر بجدية في تقييمات الجيش اللبناني، وهو المؤسسة التي يرغب المسؤولون الأمريكيون في تعزيزها وتمكينها من أجل إضعاف "حزب الله". وقد يؤدي تعزيز الجيش اللبناني إلى تعزيز السيادة اللبنانية بشكل غير مباشر، من خلال حماية البلاد من النفوذ الإيراني الخبيث.
على الرغم من أن بيروت لم تكشف علناً عن خطتها لنزع السلاح، فإن التقارير الإعلامية وتعليقات الوزراء اللبنانيين تشير إلى أن مهمة الجيش اللبناني ستتم على مراحل. وستركز المرحلة الأولى على نزع السلاح جنوب الليطاني، ومن المقرر أن تكتمل بحلول نهاية عام 2025. كما سيتطلب الانتقال إلى المرحلة الثانية - نزع السلاح في المناطق الواقعة شمال الليطاني - التوصل إلى اتفاق بشأن إنجازات القوات المسلحة اللبنانية في المرحلة الأولى.
حالياً، تعتبر الولايات المتحدة الجهة الوحيدة التي تثق بها إسرائيل في هذه العملية. لذلك، ينبغي على الأطراف النظر في توسيع مسؤوليات الآلية الحالية التي تقودها الولايات المتحدة من خلال إضفاء الطابع الرسمي على عملية التحقق المعتمدة لمهمة نزع السلاح التي تقوم بها القوات المسلحة اللبنانية، وبالتالي اختبار فرضية أن القوة تنفذ فعلاً ما تقول إنها تنفذه للتعامل مع مواقع "حزب الله" في الجنوب. ومن المرجح أن يعتمد هذا التوسيع على استعداد القوات المسلحة اللبنانية لتفتيش "الممتلكات الخاصة ". ولكن إذا تمكن الجيش اللبناني من إقناع المسؤولين الأمريكيين بأنه ينفذ المرحلة الأولى، فيمكن لواشنطن عندئذ العمل على إقناع إسرائيل بالانتقال إلى المرحلة الثانية. وتظل الآلية أيضاً أفضل وسيلة لتوضيح أن المسؤولية النهائية للجيش اللبناني بموجب اتفاق وقف إطلاق النار هي نزع سلاح "حزب الله" في جميع أنحاء البلاد.
من جانبها، ترحب بيروت بأي مقترحات من شأنها تحفيز إسرائيل على اتخاذ تدابير تتوافق مع جهود لبنان. وسيكون ذلك متسقاً مع خطة نزع السلاح اللبنانية، التي تنص، حسب ما ورد، على أن الانتقال من المرحلة الأولى إلى المرحلة الثانية يتطلب خطوات كافية من جانب إسرائيل. وهذا التبادل أمر بالغ الأهمية، نظراً لأن هناك منافسة شرسة على الشرعية تدور حالياً داخل لبنان، وأفضل طريقة لتعزيز مصداقية السلطة التنفيذية هي إظهار أن تواصلها مع إسرائيل كان الأكثر فعالية لحماية السيادة اللبنانية. سيحتاج الرئيس عون والقوات المسلحة اللبنانية إلى أكبر قدر ممكن من المصداقية المحلية للمضي قدماً في جهود نزع السلاح في الشمال، والتي ستشكل تحديات أكبر من تلك الموجودة في الجنوب. وعلى العكس من ذلك، إذا لم تتمكن الآلية من تحقيق النتائج المرجوة، فمن المرجح أن يفوز "حزب الله" في معركة السرد اللبناني من خلال إقناع عدد كاف من المواطنين بأن عون لم يفعل سوى تعزيز الموقف العسكري لإسرائيل.
للتأكد من أن نزع السلاح قد اكتمل بالفعل في الجنوب، قد تحتاج واشنطن أيضاً إلى توسيع مهمة وحجم الوحدة الأمريكية في لبنان (حوالي ثلاثين فرداًفي الوقت الحالي). وفي هذا السياق، أبدت إدارة ترامب استعدادها لتعزيز الوجود الرقابي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط عندما تتاح فرصة حقيقية للنجاح في مبادرات عالية المخاطر، ويُعد الوقت الحالي مناسبًا للتحرك في لبنان.
الاستفادة من الهياكل القائمة. يمكن لشركاء مثل قائد قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان أن يلعبوا دوراً مفيداً في مساعدة الآلية التي تقودها الولايات المتحدة على مراقبة نزع السلاح. كما يمكن لقوات حفظ السلام الفرنسية والفنلندية، التابعة لقائد قوة اليونيفيل في لبنان، الانتشار في كامل منطقة عمليات اليونيفيل (أي جنوب الليطاني)، إذ تتمتع هذه القوات بسمعة أفضل مقارنة بمكونات اليونيفيل الأخرى. ولدى فرنسا حالياً 700 جندي حفظ سلام تابعين لقوة الاحتياط على الأرض، بينما لدى فنلندا 200 جندي إضافي.
ربط التمويل الأجنبي بأداء الجيش اللبناني. على الرغم من التراجع العام في المساعدات الخارجية الأمريكية في جميع أنحاء العالم، واصلت إدارة ترامب تمويل الجيش اللبناني من أجل إظهار دعمها للمهمة الحاسمة المتمثلة في نزع سلاح "حزب الله"، خاصة بعد أن أشار الجيش إلى أنه يفتقر إلى القدرات اللازمة لتنفيذ تلك المهمة. ومع ذلك، يبدو أن "قانون تفويض الدفاع الوطني " (NDAA) الأمريكي المُعلق قد فرض شروطاً على هذا الدعم، مشيراً إلى "خيارات تعليق المساعدة" إذا ثبت عدم رغبة الجيش اللبناني في نزع سلاح "حزب الله".
وبشكل عام، يمكن لـ"آلية المراقبة والتنفيذ الدولية" أن تضمن التناسق بين مسألتي نزع سلاح "حزب الله" ودعم الولايات المتحدة للجيش اللبنانية من خلال وضع معايير مخصصة لخطة نزع السلاح. على المدى القصير، يمكن للأطراف تلبية متطلبات "قانون تفويض الدفاع الوطني "من خلال ربط التمويل الأمريكي بنجاح الجيش اللبناني في إكمال المرحلة الأولى.
وبالمثل، فإن المؤتمر الدولي الذي طال الحديث عنه لدعم الجيش اللبناني – والذي من المتوقع الآن عقده في أوائل عام 2026– سيتطلب على الأرجح بذل جهود لتلبية متطلبات المملكة العربية السعودية المعلنة بشأن إحراز تقدم ملموس في نزع سلاح "حزب الله". واستعدادًا للمؤتمر، من المتوقع أن يُعقد الأسبوع المقبل اجتماع في باريس يجمع ممثلين عن السعودية والولايات المتحدة وفرنسا. ومن شأن رصد أكثر صرامة لخطة نزع السلاح أن يسهم بلا شك في إقناع الرياض بأن الوقت مناسب للمساعدة في تعزيز الجيش اللبناني