- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
وقف تدفّق التمويل الأوروبي إلى حماس
Also published in Lawfare
بعض الحكومات الأوروبية اتخذت خطوات لملاحقة ممولي حماس داخل القارة، لكن هذه الجهود ما تزال غير كافية، في حين لم تبادر حكومات أخرى إلى أي إجراءات جدية حتى الآن.
تحرص "حماس" - كما توضح أفعالها - على الحفاظ على السيطرة والنفوذ في غزة على المدى الطويل. لكن الجماعة ستحتاج إلى إعادة بناء قدراتها العسكرية والأمنية للقيام بذلك، وهو أمر مكلف للغاية. من شأن تجفيف أموال "حماس" أن يساعد في تعزيز وقف إطلاق النار في غزة، ويتيح الوقت لقادة فلسطينيين بديلين للظهور، ويُبقي جماعة خطيرة في موقع دفاعي.
لسوء الحظ، لا تزال شبكات الدعم المالي لـ"حماس" في الخارج سليمة إلى حد كبير. لذا سيكون التشديد على تلك الشبكات - وخاصة الموجودة في أوروبا - أمراً ضرورياً بينما يسعى المجتمع الدولي إلى تحقيق الاستقرار وإعادة إعمار غزة.
جمعت "حماس" الأموال حول العالم لعقود، لكن مناشداتها المالية في الخارج ازدادت بشكل ملحوظ بعد هجومها على إسرائيل في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023. ففي العاشر من تشرين الأول/أكتوبر، دعا قائد "حماس" "خالد مشعل" المؤيدين إلى تقديم "المساعدات والمال وكل ما لديكم" فيما وصفه بأنه عمل من أعمال "الجهاد المالي"، وقد استجاب جامعو التبرعات لـ"حماس" بسرعة.
وفي غضون أيام من هجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر، أطلقت "حماس" عدة حملات جديدة لجمع التبرعات، وذلك في المقام الأول تحت ستار التخفيف من المعاناة الإنسانية الحقيقية في غزة. وكانت أوروبا بؤرة نشطة بشكل خاص لجمع التبرعات لـ"حماس" بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وهو أمر ليس مفاجئاً نظراً لـروابط وعمليات الجماعة طويلة الأمد هناك.
وفي تقرير صدر في أيلول/سبتمبر 2024، أفادت الحكومة الإسرائيلية بأن "حماس" أنشأت "شبكة من الناشطين والمنظمات" في أوروبا الغربية على مدى السنوات العشرين الماضية. وبعد شهر، قدمت الحكومة الأمريكية تأكيدات مماثلة، مدعية أن "حماس" كانت تتلقى ما يقرب من 10 ملايين دولار شهرياً من التبرعات عبر جمعيات خيرية وهمية بما في ذلك في أوروبا، وهو مبلغ كبير يضاهي ما كانت إيران تقدمه للجماعة في مستويات التمويل القصوى خلال الفترة التي سبقت هجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر.
تدعم الإجراءات التي اتخذتها حكومات أخرى على مدى السنوات العديدة الماضية هذه الادعاءات الإسرائيلية والأمريكية. فعلى سبيل المثال، في آذار/مارس 2024، انضمت المملكة المتحدة إلى الولايات المتحدة في تصنيف مجموعة "غزة الآن" ومؤسسها المقيم في أوروبا "مصطفى عياش" كـ"ميسرين ماليين رئيسيين" مزعومين لـ"حماس". وكانت "غزة الآن" - التي أُنشئت بعد فترة وجيزة من دعوة "مشعل" إلى العمل في العاشر من تشرين الأول/أكتوبر 2023 - قد طلبت التبرعات عبر المؤسسات المالية في الولايات المتحدة وأوروبا بالإضافة إلى حسابات العملات المشفرة، كما قدمت إرشادات حول كيفية التبرع بالدولار أو اليورو أو العملة المشفرة. وقد اتُهم "عياش" لاحقاً من قبل الحكومة النمساوية، ومن المرجح أن يتم تسليمه قريباً من هولندا لمواجهة الملاحقة القضائية بتهم تمويل الإرهاب المزعومة.
ولم يكن تصنيف عام 2024 هو أول إجراء أمريكي-بريطاني مشترك يستهدف الشبكة المالية لـ"حماس". فقد فرضت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة أيضاً عقوبات مشتركة على ممولي "حماس" في إجراءات تشرين الثاني/نوفمبر وكانون الأول/ديسمبر 2023، كما انضمت أستراليا إلى كلا البلدين في استهداف شبكات مالية إضافية مزعومة لـ"حماس" وميسرين لتحويلات العملة الافتراضية لـ"حماس" في كانون الثاني/يناير 2024.
على الجانب الإيجابي، ليست المملكة المتحدة الحكومة الأوروبية الوحيدة التي تتخذ إجراءات لمعالجة تهديد "حماس" في بلدها. ففي أيار/مايو 2024، أصدرت السلطات الألمانية مذكرة اعتقال بحق "ماجد الزير"، وهو مسؤول كبير في "حماس" اتُهم بتنسيق أنشطة "حماس" في جميع أنحاء أوروبا، بما في ذلك جمع التبرعات. وقبل انتقاله إلى ألمانيا، أمضى سنوات في لندن حيث كان متورطاً بشكل كبير في أنشطة "حماس". أما هولندا، فبالإضافة إلى تسليم "عياش" إلى النمسا، تلاحق أيضاً ممولاً رئيسياً آخر مزعوماً لـ"حماس"، وهو "أمين أبو رشيد" وابنته، بتهمة إرسال ملايين الدولارات إلى "حماس".
وقد فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على العديد من الكيانات الأخرى المرتبطة بـ"حماس" في أوروبا على مدى السنوات العديدة الماضية، ووصفتها بـ"الجمعيات الخيرية الوهمية". وشمل ذلك "جمعية التضامن الخيرية مع الشعب الفلسطيني" ومؤسسها المقيمين في إيطاليا، والتي تتهمها الولايات المتحدة بأنها ساعدت في "تمويل الجناح العسكري لحماس"، حيث أرسلت ما لا يقل عن 4 ملايين دولار إلى الجماعة الإرهابية على مدى فترة 10 سنوات. كما صنفت "عادل دوغمان"، متهمة إياه بأنه "مسؤول عن نشاط حماس في النمسا" وبالعمل مع منظمات جمع التبرعات التابعة لـ"حماس" خارج أوروبا، مثل "مؤسسة القدس الدولية" المقيمة في لبنان و"اتحاد الخير" المقيم في الخليج.
لدى العديد من الحكومات حول العالم الأدوات والسلطات القانونية لمنع "حماس" من مواصلة العمل وجمع الأموال في بلدانها. فـ"حماس" مصنفة كمنظمة إرهابية ليس فقط في الولايات المتحدة بل في أوروبا أيضاً. وقد صنف الاتحاد الأوروبي الجماعة، مع قيام بعض الحكومات أيضاً بوضع حظر أو عقوبات على المستوى الوطني. والحقيقة أن الاتحاد الأوروبي عزز نظام العقوبات ضد "حماس" (و"الجهاد الإسلامي الفلسطيني") في عام 2024، موسعاً نطاق الأنشطة الخاضعة للعقوبات المرتبطة بالجماعة الإرهابية. وعلى وجه الخصوص، جعلت هذه السلطات الجديدة من الأسهل على الاتحاد الأوروبي استهداف الذين يمولون ويدعمون "حماس"، متجاوزاً بذلك التركيز الأوروبي التقليدي على معاقبة المتورطين مباشرة في العنف.
أخذت بعض الحكومات الأوروبية، مثل ألمانيا وهولندا، هذه المسؤوليات على محمل الجد وتصرفت ضد شبكات التمويل لـ"حماس" داخل حدودها، بينما لم تفعل حكومات أخرى عديدة ذلك. فعلى سبيل المثال، كانت "حماس" نشطة لسنوات في بلجيكا وإيطاليا، لكن الحكومتين هناك لم تتخذا سوى القليل من الإجراءات. ففي عام 2024، ورداً على استفسار برلماني، أكد وزير العدل البلجيكي أن "حماس" كانت تواصل العمل في البلاد عبر شركات وهمية، لكن بعد مرور أكثر من عام، لم تقم الحكومة بعد بالتشديد على هذه الشبكات. كما لا توجد مؤشرات على أن إيطاليا اتخذت خطوات لقطع جمع التبرعات لـ"حماس" لمتابعة التصنيفات الأمريكية للكيانات والأفراد المرتبطين بـ"حماس" ومقرهم في إيطاليا خلال العام الماضي.
واتخذت حكومات أخرى، مثل المملكة المتحدة وفرنسا، بعض الإجراءات المحدودة، لكن لا يزال يتعين القيام بالمزيد. فعلى سبيل المثال، بينما انضمت المملكة المتحدة إلى الولايات المتحدة في تصنيف قادة "حماس" خارج البلاد، لم تقم لندن بعد بـفرض عقوبات أو اتخاذ إجراء ضد "إنتربال"، وهو كيان بريطاني صنفته الولايات المتحدة بسبب صلاته بـ"حماس" منذ أكثر من 20 عاماً ولا يزال يعمل حتى الآن. وفي عام 2024، جمدت فرنسا أصول منظمة غير حكومية مقرها فرنسا تُدعى "هيومانيتير"، وذلك بعد أن صادرت السلطات الإسرائيلية مواد تحمل شعار المجموعة في أنفاق "حماس" في غزة. ووفقاً لوزارة الخزانة الأمريكية، فإن "هيومانيتير" هو اسم مستعار لـ"لجنة الإحسان والإغاثة للفلسطينيين"، وهي جمعية خيرية أخرى صنفتها الولايات المتحدة قبل 20 عاماً لتمويلها "حماس". ويؤكد استمرار مثل هذه المنظمات في تمويل "حماس" لعقدين من الزمن بعد معاقبتها من قبل الولايات المتحدة حجم المهمة التي يتعين على الدول الأوروبية القيام بها لاستئصال شبكات تمويل "حماس" المنشأة في أوروبا على مدى سنوات عديدة.
يجب أن يبدأ التغيير على مستوى الاتحاد الأوروبي، مستفيداً من السلطات التي تم تمريرها مؤخراً لكنها استُخدمت بطريقة محدودة للغاية لاستهداف تمويل "حماس" و"الجهاد الإسلامي الفلسطيني". فلم يفرض الاتحاد الأوروبي عقوبات سوى على حفنة من الكيانات والأفراد حتى الآن باستخدام سلطات الحظر الجديدة التي وافق عليها في كانون الثاني/يناير 2024، وواحدة فقط في أوروبا - وهي شركة إسبانية مملوكة لممول "حماس" سوداني. وفي كانون الثاني/يناير 2025، جدد المجلس الأوروبي هذه السلطات لمدة عام آخر، لكن سيتعين تجديدها مرة أخرى قبل 20 كانون الثاني/يناير 2026 للبقاء في السجلات. وينبغي تجديد السلطات، لكن هذه المرة يجب استخدامها لملاحقة ممولي "حماس" في أوروبا، إذ يتعين القيام بالمزيد لإحداث تأثير حقيقي في الشبكات المالية الأوروبية الواسعة لـ"حماس".
يشكل المركز المالي لـ"حماس" في تركيا تحدياً خطيراً بشكل خاص، وهو أمر ليس مفاجئاً نظراً لتعاطف الرئيس "رجب طيب أردوغان" المعروف وتوافقه الأيديولوجي مع الجماعة. ففي كانون الأول/ديسمبر 2023، وبعد أقل من شهرين من هجمات السابع من تشرين الأول/أكتوبر، أوضح "أردوغان" موقفه من "حماس" قائلاً: "مهما قال أي شخص، لا يمكنني قبول "حماس" كمجموعة إرهابية". وفي العام التالي، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على "حامد عبد الله حسين الأحمر"، وهو مواطن يمني مقيم في تركيا يُزعم أنه ساعد في الإشراف على محفظة الاستثمار الخارجية السرية سابقاً لـ"حماس" البالغة 500 مليون دولار. وفي الشهر التالي، فرضت وزارة الخزانة عقوبات على عدة أعضاء من "حماس" مقيمين في تركيا لمشاركتهم المزعومة في التسهيل المالي. ولم تتخذ حكومة "أردوغان" أي إجراءات مرئية ضد هذه الكيانات الخاضعة للعقوبات رغم العقوبات الأمريكية. بل على العكس من ذلك، أصر "أردوغان" علناً على أن "حماس" ليست منظمة إرهابية، بغض النظر عن السابع من تشرين الأول/أكتوبر.
على الحكومات - في أوروبا وخارجها - التي تأمل في السلام والاستقرار في غزة أن تعمل بقوة لتحديد وتعطيل الشبكات المالية والدعم لـ"حماس" في أراضيها. فوقف إطلاق النار الأخير بين إسرائيل و"حماس" يمثل فرصة نادرة لدفع المنطقة نحو مستقبل أكثر استقراراً وسلاماً. ومن شأن إضعاف شبكات "حماس" حول العالم أن يساعد في ضمان عدم قدرة "حماس" على إعادة تسليح نفسها ودفع المنطقة مرة أخرى إلى الفوضى.
يهدي المؤلفان، وكلاهما من خريجي مدرسة "فليتشر للقانون والدبلوماسية" في "جامعة تافتس"، هذه المقالة لذكرى البروفيسور "ريتشارد إتش شولتز"، مدير برنامج دراسات الأمن الدولي في "مدرسة فليتشر"، الذي توفي مؤخراً بعد 42 عاماً من التدريس في "مدرسة فليتشر". ترك البروفيسور "شولتز" وراءه الآلاف من الطلاب الذين تأثروا بتدريسه وإرشاده، بما في ذلك المؤلفان.