
- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 4062
تحليل جولة "ترامب" الاستثمارية في الخليج لعام 2025

ركز الرئيس في زيارته الأولى المخططة للمنطقة على تأمين صفقات اقتصادية بقيمة تريليونات الدولارات، لكن إنجاز هذه المشاريع مع الحفاظ على المصالح الأمريكية سيتطلب رقابة دقيقة ومستدامة.
كما هو متوقع، ركزت جولة الرئيس "ترامب" عالية الشأن في أيار/مايو 2025 عبر المملكة العربية السعودية وقطر ودولة الإمارات العربية المتحدة على تأمين ما ورد أنه 2 تريليون دولار في صفقات الاستثمار عبر المحطات الثلاث. لم تضيع الإدارة وقتاً في الترويج للصفقات كانتصار مهم من شأنه أن يقود الابتكار والتقدم الاقتصادي في الولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن الصفقات الكبرى غالباً ما تكون جزءاً رئيسياً من زيارات الدولة الرئاسية، فإن التحدي الآن يكمن في ترجمة هذه الإعلانات إلى نتائج ملموسة يمكنها دعم المصالح الأمريكية على المدى الطويل. الصفقات مهمة لكل من الاقتصادين الأمريكي والخليجي، ويمكنها أن تساعد في إبعاد المنافسين الأمريكيين مثل الصين، مما يجعل إحراز تقدم ذي معنى أمراً حيوياً للنفوذ الاستراتيجي الأمريكي.
كما سلطت الزيارة الضوء على إعادة ترتيب الأولويات في السياسة الخارجية الأمريكية---مع التركيز على تعميق العلاقات الثنائية الرئيسية من خلال تعزيز الشراكات الاقتصادية، وبشكل خاص عبر صفقات الاستثمار بين الشركات الأمريكية والخليجية. قدم خطاب الرئيس في منتدى الاستثمار الأمريكي-السعودي في الرياض أوضح تعبير حتى الآن عن نهج إدارته الثانية المتقدم اقتصادياً تجاه الشرق الأوسط. إذا تم تنفيذها بنجاح، فإن الاندماج الصناعي والاقتصادي الأعمق يمكن أن يعزز مرونة الاقتصاد الأمريكي، بما يتماشى مع الدبلوماسية المستخدمة من قبل الإدارات السابقة---مثل ترويج "رونالد ريغان" للأسواق الحرة العالمية لمواجهة الشيوعية، وترويج "باراك أوباما" لشراكة عبر المحيط الهادئ لإعادة توازن النفوذ الأمريكي في آسيا، وغيرها. ومع ذلك، مع وجود وقف إطلاق نار هش بين إسرائيل وإيران، وإمكانية تدخل أمريكي إضافي---إلى جانب حرب تجارية وشيكة مع الصين---قد تضطر الإدارة إلى موازنة سعيها للروابط الاقتصادية مع حقائق أولويات استراتيجية وأمنية أوسع في المنطقة.
الإعلانات الرئيسية للرحلة
بدا أن كل محطة في الجولة تناسب موضوعاً مختلفاً: في المملكة العربية السعودية، كانت الاستثمارات الاقتصادية والدفاعية الضخمة؛ وفي قطر، كانت صفقات الطيران والدبلوماسية العسكرية؛ وفي الإمارات العربية المتحدة، كانت التعاون في التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.
المملكة العربية السعودية. تميزت محطة الرئيس في الرياض بإعلان التزام المملكة باستثمار 600 مليار دولار في الولايات المتحدة. في منتدى الاستثمار الأمريكي-السعودي الذي عُقد خلال الزيارة، امتدت الصفقات المعلنة عبر قطاعات متعددة، بما في ذلك أمن الطاقة والدفاع والتكنولوجيا والبنية التحتية العالمية والمعادن الحرجة. ربما كانت الأكثر جذباً للعناوين حزمة أسلحة أمريكية بقيمة 142 مليار دولار أُطلق عليها أكبر اتفاقية مبيعات دفاعية في التاريخ. بعض الصفقات البارزة الأخرى المعلنة تحت تعهد الـ600 مليار دولار شملت استثمارات في:** **مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية للطاقة القائمة في الولايات المتحدة، والتقنيات المتقدمة، ومشاريع البنية التحتية السعودية، ومعدات الطاقة الأمريكية والطائرات التجارية، وسلسلة التوريد للرعاية الصحية الأمريكية، وصناعات الرياضة الأمريكية.
قطر. في الدوحة، أمّن الرئيس "ترامب" اتفاقيات بقيمة 1.2 تريليون دولار مُبلغ عنها شملت مبيعات دفاعية واستثمارات في البنية التحتية وصفقة طيران ضخمة، بهدف التوسع الدراماتيكي في الروابط الأمنية والاقتصادية الأمريكية-القطرية. الاستثمارات المُبلغ عنها شملت أيضاً مشاريع في البنية التحتية للطاقة والهندسة والتطوير الحضري والتعاون في التقنيات الناشئة.
الإمارات العربية المتحدة. في أبوظبي، قام الرئيس "ترامب" حسب التقارير بـ"تسريع" التزام الإمارات في آذار/مارس 2025 لاستثمار 1.4 تريليون دولار في الولايات المتحدة---بشكل أساسي في التكنولوجيا---على مدى السنوات العشر القادمة، وأعلن عن 200 مليار دولار أخرى في صفقات تجارية جديدة. الاستثمارات تتراوح عبر قطاعات تشمل التكنولوجيا الناشئة والفضاء والجوي والبنية التحتية للطاقة والمعادن الحرجة. كما وقعت الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة اتفاقية ذكاء اصطناعي مصممة للبناء على إعلان الاستثمار في آذار/مارس 2025، وتعزيز الشراكة التكنولوجية الثنائية، ومواءمة لوائح التكنولوجيا الإماراتية مع تلك الأمريكية.
الآثار الاستراتيجية
إذا تحققت هذه الصفقات، فقد يكون لها آثار اقتصادية كبيرة على كل من الولايات المتحدة والدول الخليجية الشريكة. من ناحية، يمكن للاتفاقيات أن تولد مئات الآلاف من الوظائف الأمريكية في قطاعات التصنيع والدفاع والتكنولوجيا، وتحفز النمو الاقتصادي في كل من أمريكا ودول الخليج. يقدر تقرير من "برايس ووترهاوس كوبرز" أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يضيف أكثر من 15 تريليون دولار للاقتصاد العالمي بحلول عام 2030، بما في ذلك 320 مليار دولار في الشرق الأوسط، مع مساهمات تزيد عن 12 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة العربية السعودية و14 في المائة للإمارات العربية المتحدة. بينما الميزان التجاري بين الولايات المتحدة ودول الخليج أصبح صغيراً بشكل متزايد مقارنة بذلك مع شركاء عالميين آخرين، يمكن للصفقات أن تساعد في إعادة توازن التجارة أكثر من خلال زيادة صادرات المنتجات والخدمات الأمريكية.
رغم هذه الأسباب للتفاؤل، يجب على الإدارة أن تأخذ في الاعتبار الاعتبارات الاستراتيجية مع تقدم هذه الصفقات، بهدف حماية مصالح الأمن القومي الأمريكي. حتى مع إعطاء دول الخليج هذه الأولوية للاتفاقيات مع الولايات المتحدة، فإنها لم تشر بالضبط إلى تقليل أولوية علاقاتها مع الصين. أمثلة بارزة تشمل اتفاقيات من كل من الرياض وأبوظبي مع بكين في الأشهر الستة الماضية تغطي قطاعات الطاقة الخضراء والتكنولوجيا والتعليم والصحة والسياحة.
مع عدم وجود حالة نهائية واضحة محددة لعلاقات هذه البلدان مع الصين، ستتطلب الروابط الأمريكية الأعمق مراقبة مستمرة وانخراطاً متسقاً. مثل هذا الإشراف القوي ضروري للشراكات في بلدان ذات بيئات تنظيمية أقل صرامة من الولايات المتحدة، مما يمكن أن يخلق فرصة باب خلفي للصين خاصة للوصول إلى التكنولوجيا الأمريكية الحساسة والملكية الفكرية. في حالة الإعلانات الأمريكية-الإماراتية حول الذكاء الاصطناعي، ظهرت تقارير تفيد بأن المسؤولين الأمريكيين لم يحددوا حتى الشروط الأمنية اللازمة لتصدير الرقائق المتقدمة أو توفير الإنفاذ. بينما تسعى الولايات المتحدة لمواجهة النفوذ الصيني المتنامي في المنطقة وتشجيع أمن إقليمي أكبر، فإن نهجاً يركز فقط على الدبلوماسية التعاملية يمكن، على المدى الطويل، أن يهدد بتقويض الشراكات الأمريكية والتكنولوجيا الحساسة.
قد لا يصل البيت الأبيض أبداً إلى رقم الـ2 تريليون دولار المذكور خلال الرحلة---بعض التقديرات تضع القيمة الإجمالية حوالي 730 مليار دولار---لأن العديد من الصفقات الموقعة كانت على الأرجح قيد التنفيذ بالفعل خلال الإدارة السابقة، وأخرى مبنية على اتفاقيات غير ملزمة. لكن الرقم الرئيسي يهم أقل من إنجاز الأساسيات بشكل صحيح للتأكد من أن هذه العلاقات الاقتصادية تبقى على المسار الصحيح. تطبيق المشاريع يمكن أن يكون صعباً بالمثل من الجانب الأمريكي وسط تخفيضات مقترحة شديدة للموظفين عبر إدارات رئيسية مثل الخارجية والتجارة والطاقة، مما يمكن أن يقلل من المتابعة من السلطة التنفيذية. الأكثر عدم يقين هو ما إذا كانت الولايات المتحدة يمكنها الوفاء بالتزامات مبيعات الأسلحة نظراً للضغوط على قاعدتها الصناعية الدفاعية الخاصة وإعطاء الأولوية للمسارح المتنافسة.
التطبيق الفعال لهذه المشاريع سيعتمد على الاستقرار السياسي في المنطقة، ونجاح الخليج في تنويع اقتصاداتها، وتوليد إيرادات جديدة، لكنه سيتشكل أيضاً بشدة بواسطة السياسات المحلية الأمريكية، والتخفيضات المحتملة في الوكالات الحكومية، وفعالية القاعدة الصناعية الدفاعية الأمريكية. بدون متابعة منضبطة، ستكافح كل من أمريكا ودول الخليج لجني الفوائد الاقتصادية المتوقعة. كما أن نقص المتابعة يخاطر بدفع هذه البلدان نحو الصين، مما يجعل التطبيق الناجح أساسياً لتعزيز المصالح الاستراتيجية الأمريكية.
التوصيات السياسة
من خلال اتخاذ خطوات مدروسة، يمكن لإدارة "ترامب" تعزيز التكامل الاقتصادي مع شركائها في الخليج، وتحقيق الإمكانات الكاملة للصفقات التي تم توقيعها خلال زيارة الرئيس في أيار/مايو، مع مراعاة الأبعاد الاستراتيجية الحيوية للمصالح القومية الأمريكية.
- تعيين قيادة تنفيذية مسؤولة عن التنفيذ: الموظفون هم جوهر السياسة، ومن دون قيادة تنفيذية واضحة، تبقى الاتفاقيات رهن النوايا. ولتحويل التفاهمات رفيعة المستوى إلى نتائج ملموسة، ينبغي للإدارة تعيين مسؤول رفيع يمتلك الصلاحيات الكاملة، إلى جانب فريق متخصص يتولى متابعة التنفيذ والتنسيق بين الأطراف المعنية. فهذه الترتيبات التجارية المعقدة تمتد لسنوات، وتتطلب إشرافاً مستمراً وتنسيقاً دقيقاً. إن استحداث مثل هذه القيادة التنفيذية سيكون بمثابة رسالة واضحة عن التزام البيت الأبيض السياسي، كما سيضمن وجود آلية للمساءلة والرقابة. ويُفترض بهذا الفريق أن يكون نقطة الاتصال المركزية للشركات الأمريكية والأجنبية، وأن يعمل على إزالة العوائق التشغيلية داخل الأجهزة الحكومية، على أن يُوفّر له التمويل الكافي والكوادر المؤهلة لضمان الفعالية والاستدامة.
- هيكلة آلية فعالة لحماية مصالح الأمن القومي الأمريكي: من الضروري أن تُدار الاتفاقيات الاستثمارية مع دول الخليج ضمن إطار واضح يوازن بين المكاسب الاقتصادية ومقتضيات الأمن القومي. وهذا يتطلب تنسيقاً متعدد الأطراف بين وزارات التجارة، والدفاع، والخارجية، والخزانة، وغيرها من الوكالات ذات الصلة. ونظراً لطبيعة هذه العمليات الرقابية المعقدة، والتي قد تشكّل مصدر إحباط للشركاء الأجانب بسبب بطئها أو غموضها، يجب على الإدارة إعطاء أولوية لآليات المراجعة السريعة والمنسقة. ذلك سيسمح بتحقيق الفوائد الكاملة لهذه الاستثمارات، من دون الإضرار بالمصالح الاستراتيجية الحيوية للولايات المتحدة.
- تمكين السفارات كوسائل ضغط : من أجل ضمان الاستمرارية وتحقيق نتائج ملموسة، لا يكفي الاعتماد على مجموعة صغيرة من المسؤولين المقيمين في واشنطن. يجب أن تُعزّز الطواقم الدبلوماسية الأمريكية في الخليج، وخاصةً السفراء والملحقين التجاريين، بوصفهم أذرعاً تنفيذية على الأرض. فهؤلاء يتواجدون يومياً في قلب المشهد، ما يمنحهم موقعاً مثالياً لضمان استدامة الزخم، وتجاوز التحديات التنفيذية، ومتابعة تفاصيل الاتفاقيات بما ينسجم مع أولويات البيت الأبيض. توسيع هذه الكوادر وتدريبها على أهداف السياسة الجديدة سيحوّل السفارات إلى أدوات فعّالة لتحقيق النجاح المطلوب.
يمكن اعتبار زيارة الرئيس إلى الخليج خطوة ناجحة بكل المقاييس، فقد أسفرت عن توقيع صفقات استثمارية بمليارات، وربما تريليونات الدولارات، والتي يمكن، إذا أُحسن تنفيذها، أن تحقق مكاسب كبيرة للولايات المتحدة وشركائها الخليجيين على مدى السنوات القادمة. ومع أن هذه الاتفاقيات تحمل فرصاً اقتصادية واستراتيجية هائلة، فإن تحويلها إلى واقع يتطلب جهداً حقيقياً في التنفيذ. من خلال تأسيس قيادة تنفيذية واضحة، وإنشاء آلية رقابية مرنة وفعالة، وتمكين السفارات، يمكن للولايات المتحدة ضمان تحقيق أقصى فائدة من هذه الشراكات، بما يخدم مصالح الشعب الأمريكي ويُعزز استقرار وازدهار العلاقات مع السعودية وقطر والإمارات.