
- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
علاقات روسيا الدفاعية في الشرق الأوسط تتهيأ لمرحلة انتعاش جديدة
Also published in Jerusalem Strategic Tribune

لم يختف الطلب على الأسلحة الروسية؛ بل من المرجح أن يعتبر المسؤولون في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أي اتفاق جزئي أو مؤقت بشأن أوكرانيا بمثابة ضوء أخضر للإسراع في الاستفادة من سلاسل التوريد الجديدة لموسكو، لذا يتعيّن على واشنطن أن تتهيأ لذلك.
لقد تضررت علاقات روسيا الدفاعية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشكل كبير نتيجة حربها في أوكرانيا. ومع ذلك، فإنّ التوصّل إلى اتفاق سلام، أو تخفيف العقوبات، أو حتى التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار طويل الأمد، قد يوفر لروسيا فرصة لاستئناف مبيعات الأسلحة وتقديم الدعم الأمني إلى الشرق الأوسط وأفريقيا ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ. وقد يُفاجَأ الغرب بمدى السرعة التي قد يسعى بها شركاؤه التقليديون في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى إعادة تطبيع العلاقات مع روسيا. وعليه، يجب على واشنطن أن تتهيأ مسبقاً لمنع عودة روسيا المحتملة.
الشرق الأوسط لا يزال مهتماً
قبل غزو أوكرانيا في عام 2022، كانت موسكو تحتل المرتبة الثانية بين أكبر مورّدي الأسلحة إلى الشرق الأوسط، غير أنها باتت الآن في المرتبة الثالثة. وقد واجهت روسيا عدداً من القيود التي أثّرت في قدرتها على تصدير الأسلحة، من بينها العقوبات الغربية، والرقابة على الصادرات، واستبعادها من نظام الدفع الدولي "سويفت"، فضلاً عن تحول أولوياتها الداخلية نحو دعم قواتها في أوكرانيا. ونتيجة لذلك، وفي ظل منطقة تشهد في الأساس تنوعاً في مصادر شراء الأسلحة من قوى دولية متعددة، باتت دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تتجه بشكل متزايد نحو البحث عن مورّدين بديلين للتجهيزات الدفاعية المصنوعة في روسيا. كما أسهم سقوط نظام بشار الأسد في سوريا في كانون الأول/ديسمبر الماضي في تراجع مبيعات الأسلحة الروسية في المنطقة .
ومع ذلك، لا تزال دول المنطقة تبدي اهتماماً ملموساً بالأسلحة الروسية. ويُشير عدد من كبار المسؤولين في المنطقة، خلال أحاديث خاصة، إلى أن العقوبات الغربية وعجز روسيا عن تنفيذ العقود القائمة هما السبب الرئيسي وراء انخفاض صادراتها من الأسلحة. بعبارة أخرى، لم ينخفض الطلب على الأسلحة الروسية، وقد يرى البعض أن أداء هذه الأسلحة كان ضعيفاً في أوكرانيا، غير أن الأنظمة التي تُصدّرها روسيا إلى المنطقة - وخصوصاً الطائرات، ومحركات الطائرات، والصواريخ - لا تزال تؤدي بشكل جيد، أو على الأقل بما يتناسب مع تكلفتها.
قاعدة الصناعات الدفاعية الروسية لا تزال قوية
يُوجَّه الاقتصاد الروسي بالكامل في الوقت الراهن نحو الإنتاج العسكري. ويُقِر المسؤولون الغربيون، في الأوساط الخاصة، بأن روسيا تُنتج حالياً ذخائر أكثر من مجموع ما تنتجه جميع دول حلف شمال الأطلسي. على مدى العامين الماضيين، أنشأت الصناعات الدفاعية الروسية سلاسل إمداد جديدة بالكامل بهدف تجاوز العقوبات خلال فترة الصراع. فقد وجهت روسيا إنتاجها إلى الداخل، واستعانت بمقاولين من الباطن في الصين لزيادة إنتاج الطائرات المسيرة والذخائر الموجهة بدقة، مثل "جيران-2" و"جيران-3 "، التي تُهاجم أوكرانيا الآن بالمئات يومياً. ورغم أن العقوبات ألحقت ضرراً بالاقتصاد الروسي، إلا أنها لم تكن كافية لدفع الكرملين إلى تقديم تنازلات تنهي الحرب.
يستمر تدريب الجنود الروس على خطوط القتال وتزويدهم بالمعدات، بدعم من مجموعة واسعة من معدات الاتصالات، كما تتم حمايتهم من هجمات الطائرات المسيرة باستخدام أنظمة الحرب الإلكترونية. ولا تزال غالبية القوات المسلحة الروسية بمنأى نسبياً عن المشاركة المباشرة في القتال، وقد استخلصت دروساً ثمينة - وإن كانت باهظة الثمن - من الحملة العسكرية، يُرجّح أن تُطبَّق في الحروب المستقبلية. وعلى الرغم من خسارة أو تضرّر نحو نصف الأسطول الروسي في البحر الأسود، فإن البحرية الروسية ما تزال تحتفظ بقدراتها العملياتية، بل تواصل إنتاج سفن جديدة وتحديث أسطولها، حتى في خضم الصراع القائم.
روسيا ستكون قادرة على تقديم المزيد بعد الحرب
تتمتع روسيا بفرصة حقيقية للخروج من الحرب في أوكرانيا بينما تمتلك مجموعة أوسع من العروض للمشترين المحتملين للأسلحة في الشرق الأوسط، مقارنة بما كانت عليه قبل اندلاع النزاع. كما ستحظى بقاعدة صناعية دفاعية قوية موجهة نحو التصدير. وفي سيناريو ما بعد الحرب، من المرجح أن تصبح روسيا واحدة من الدول الرائدة عالمياً في مجال الطائرات المسيّرة الهجومية أحادية الاتجاه والذخائر عالية الدقة، بفضل صناعتها الدفاعية الآخذة في النمو، وتعطشها لعقود تسليح جديدة في الخارج بعد سنوات من الحرب المستمرة، وما صاحبها من توسع في قطاع الدفاع لتعزيز الطاقة الإنتاجية.
علاوة على ذلك، لن يستمر التراجع في مبيعات الأسلحة الروسية على الصعيد العالمي بمجرد انتهاء القتال أو توقفه مؤقتاً. وبناءً على معدلات الإنتاج خلال العامين الماضيين من الحرب، أصبحت قاعدة الصناعة الدفاعية الروسية أقوى، وهي الآن قادرة على إنتاج أنظمة أسلحة معينة بمعدلات أعلى مما كانت عليه قبل الحرب، مع تطوير أنواع جديدة تماماً من الأسلحة لدعم العمليات العسكرية الروسية. على سبيل المثال، أصبحت روسيا الآن تنتج صواريخ أكثر مما كانت تنتجه قبل الحرب، وكذلك دبابات بأعداد تفوق تلك التي تُستهلك في القتال. كما قامت روسيا بتحويل الطائرات المسيّرة الإيرانية أحادية الاتجاه إلى طائرات "جران 2" والآن "جران 3" بسرعة فائقة. علاوة على ذلك، يتم تعديل مجموعة متنوعة من أنظمة الأسلحة الروسية التي فشلت خلال المراحل الأولى من الحرب بشكل مستمر، بهدف تحسين فعاليتها في القتال.
وقد لاحظ المشترون المحتملون للأسلحة في المنطقة ذلك بوضوح، حيث تواصل العديد من الدول الأفريقية دراسة توسيع علاقاتها مع روسيا، فيما ستظل دول مثل الجزائر تعتمد على روسيا لصيانة معداتها العسكرية المزودة روسياً إلى حد كبير. كما أدت التحسينات الأخيرة في العلاقة بين روسيا وعبد الفتاح البرهان في السودان، عقب تخلّي روسيا عن شريكها السوداني السابق المفضل محمد حمدان دقلو (المعروف بـ"حميدتي")، إلى تمكين روسيا من الحفاظ على موطئ قدم لها في السودان. ووفقاً للتقارير، فإن روسيا تحقق هدفها المنشود منذ فترة طويلة، وهو إنشاء ميناء بحري على البحر الأحمر. كما تشير التقارير إلى أن ليبيا تمثل هدفاً لروسيا كي تحل محل قاعدتها البحرية في البحر الأبيض المتوسط، التي تقع في سوريا.
رد محتمل من الولايات المتحدة
توفر اللحظة الراهنة فرصة حقيقية للولايات المتحدة، في ظلّ تعزّز موقع أوكرانيا في مواجهة روسيا في المنطقة. قبل الحرب، كانت الصناعة العسكرية الأوكرانية بلا شك أكثر البدائل تنافسية لمصادر الأسلحة الروسية على الصعيد العالمي. كما هو الحال مع روسيا، من المرجح أن تخرج أوكرانيا من الحرب وهي تمتلك واحدة من أكثر الصناعات الدفاعية تطورًا وابتكارًا في أوروبا، إلى جانب خبرة واسعة في تحديث وصيانة المعدات الروسية. وبفضل الاستثمارات الأوروبية والأمريكية، يُتوقع أن تعزز أوكرانيا قدراتها الإنتاجية وتوسّع قاعدتها التكنولوجية في مجال التصنيع العسكري. أما الدول التي تمتلك ترسانة كبيرة من الأسلحة الروسية لكنها مترددة في إعادة بناء علاقاتها مع موسكو، فبإمكانها الاعتماد على أوكرانيا كبديل جاهز، يوفر حلولًا أقل تعقيدًا من حيث المتطلبات التنظيمية وقيود الرقابة المفروضة على استيراد المعدات الغربية.
من المؤكد أن الكرملين لا يُبدي أي اهتمام بإنهاء الحرب، وأن الأوكرانيين لن يستسلموا ببساطة، ومن غير المرجح أن تنتهي الحرب في أي وقت قريب. ومع ذلك، يمكن للولايات المتحدة أن تتحرك الآن لتعزيز موقعها في أسواق الأسلحة في الشرق الأوسط من خلال تسهيل عمليات الدفع مقابل التكنولوجيا الأوكرانية، ومنع روسيا من تحقيق المزيد من الأرباح من صناعة أسلحتها. ومع تكيف صناعة الدفاع الأمريكية مع الثورة التكنولوجية العسكرية التي أحدثتها حرب روسيا على أوكرانيا، لا سيما في مجال التكنولوجيا المتوسطة والمنخفضة، ينبغي أن تتمكن صناعة الدفاع الأمريكية من منافسة الموردين الروس في الأسواق التنافسية الأخرى. وبغض النظر عن مجريات الحرب في أوكرانيا، فإن اتخاذ خطوات الآن لمنافسة روسيا سيخدم مصالح الولايات المتحدة فحسب.
آنا بورشفسكايا هي زميلة أقدم في "برنامج مؤسسة دايين وغيلفورد غليزر حول منافسة القوى العظمى والشرق الأوسط" في معهد واشنطن، وتركز في عملها على السياسة الروسية في الشرق الأوسط وتساهم أيضًا في شركة "أوكسفورد أناليتيكا" الاستشارية.