
- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 4109
هل حان الوقت لإنهاء ولاية بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية"المينورسو"؟

رغم الزخم الدبلوماسي المتزايد للمغرب والتخفيضات الأمريكية الأخيرة في ميزانية حفظ السلام الأممية، يبقى إنهاء مهمة الصحراء الغربية مبكراً يُعد خطأ، بالنظر إلى الدور العملي المحورى في تثبيت وقف إطلاق النار.
في 31 تشرين الأول/أكتوبر، سيصوّت مجلس الأمن على تجديد ولاية "بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية" ("المينورسو"). ويأتي هذا التصويت في سياق تقليص واسع لعمليات حفظ السلام، وتطورات سياسية بارزة في النزاع حول الإقليم المتنازع عليه، إضافةً إلى الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء في تشرين الثاني/نوفمبر 1975، التي دشّنت مسعى المغرب لترسيخ سيطرته هناك. هذه العوامل مجتمعة قد تدفع إدارة ترامب -- بصفتها الجهة المشرفة على ملف القرار المتعلق بـ"المينورسو" في مجلس الأمن - إلى التفكير في تغيير جوهري أو حتى إنهاء ولاية البعثة. غير أن أي خطوة من هذا النوع ينبغي أن تتم بحذر وتدرّج، لضمان استمرار المكاسب الميدانية التي تحققها هذه القوة المحدودة على الأرض، ولتأمين توافق الأطراف المعنية.
مهمة في مناخ دبلوماسي متغير
في أعقاب وقف إطلاق النار عام 1988 بين المغرب وجبهة "البوليساريو" - الحركة الانفصالية المدعومة من الجزائر في الصحراء الغربية - تم إنشاء "المينورسو" عام 1991 حتى يتمكن الشعب الصحراوي الأصلي للإقليم من ممارسة حقه في تقرير المصير بالتصويت بين الاستقلال أو الاندماج مع المغرب. لكن الخلافات المستعصية حول أهلية الناخبين عطلت تلك العملية، فأصبح الاستفتاء الذي كان متصوراً في البداية غير قابل للتحقيق سياسياُ،ولم يُذكر في قرارات مجلس الأمن ذات الصلة منذ عقدين.
في الوقت نفسه، تحول دور "المينورسو" تدريجياً إلى مراقبة وقف إطلاق النار، مما ثبت أنه مفيد بشكل خاص بعد اندلاع أعمال عدائية بين الجيش المغربي وقوات "البوليساريو" في عام 2020. لكن النقاد شككوا بشكل متزايد في جدوى التجديد السنوي للقوة، بحجة بات رمزاً للجمود الدبلوماسي ولتضخم أهداف المهمة.
في كانون الأول/ديسمبر 2020, قرر الرئيس "ترامب" الاعتراف بمطالبة المغرب بالسيادة على الصحراء الغربية، مما دفع عدة دول أخرى للحذو حذوه. في تموز/يوليو 2024, صرح الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" أن "حاضر ومستقبل الصحراء الغربية يكمنان ضمن سيادة المغرب"، رغم أنه أوضح أن التوصل لتسوية مقبولة بشكل متبادل تماشياً مع قرارات مجلس الأمن ذات الصلة تبقى الهدف المنشود.
مع مرور الوقت، تحولت الظروف أكثر لصالح الرباط. في نيسان/أبريل الماضي، أعاد وزير الخارجية "ماركو روبيو" تأكيد الاعتراف الأمريكي بالسيادة المغربية خلال زيارة وزير الخارجية "ناصر بوريطة" إلى واشنطن. وفي حزيران/يونيو، دعمت المملكة المتحدة خطة الحكم الذاتي التي تفضّلها الرباط منذ فترة طويلة للصحراء الغربية، ووصفتها بأنها "الأساس الأكثر مصداقية وقابلية للتطبيق وواقعية للتوصل إلى حل دائم للنزاع"، وإن كانت ما تزال تصف وضع الإقليم بأنه "غير محدد". ومع اصطفاف واشنطن وباريس ولندن خلف موقف المغرب، تم إضعاف هدف "البوليساريو" المتمثل في دولة مستقلة بشكل كبير، مما زاد من احتمالية حدوث تغيير كبير خلال تصويت التجديد التالي لـ"المينورسو".
من الجدير بالذكر أن تصويت هذا العام يتزامن أيضاً مع جهود إدارة "ترامب" لسحب أكثر من 800 مليون دولار من الأموال المخصصة من الكونغرس لبعثات حفظ السلام الأممية. ولم تسلم "المينورسو" من أزمة السيولة التي تعاني منها الأمم المتحدة، رغم كونها أصغر بعشرين مرة من "اليونيفيل"، بعثة حفظ السلام الإقليمية الأكثر شهرة في لبنان. المئات القلائل من أفراد "المينورسو" يواجهون بالفعل تحديات في الميزانية دفعتهم لتقييد التوظيف، وفقاً لمحادثات مع مسؤولين ذوي صلة. كحد أدنى، يبدو أن المسؤولين الأمريكيين مستعدون للمطالبة بإصلاح عميق للبعثة وقد يعترضون على التجديد تماماً.
كيف ينظر المغرب والجزائر إلى "المينورسو"
رغم أن النزاع بين "البوليساريو" والمغرب بقي منخفض المستوى في السنوات الأخيرة، فإن بعثة "المينورسو" تؤدي دوراً محورياً في منع اندلاع أعمال عنف أوسع. لذلك قد يزيد الانسحاب المفاجئ لقوات حفظ السلام من خطر التصعيد العرضي. ولهذا السبب - ولأنها تستفيد من الوضع الراهن - لم تُطالب المغرب قط بإنهاء البعثة؛ بل انخرطت في تعاون بناء مع "المينورسو".
وتماشياً مع مواقف الرباط بشأن تسوية النزاع، حظي مقترح تحويل بعثة الأمم المتحدة في الصحراء الغربية "المينورسو" إلى بعثة سياسية باهتمام متزايد في الآونة الأخيرة، على غرار الدور الذي اضطلعت به بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة إلى العراق. الهدف من مثل هذا التحول سيكون تسهيل المفاوضات نحو "مقاطعة" صحراوية ذاتية الحكم ضمن المغرب. تشير الدبلوماسية الأخيرة للرباط مع روسيا والصين إلى أنه يحاول تأمين دعم مجلس الأمن الكامل لكلا الهدفين، رغم أن احتمال تصويتهما بنعم على اقتراح الحكم الذاتي المغربي بعيد نظراً لعلاقات موسكو وبكين القوية مع الجزائر.
رغم معارضة موقف الرباط حول الصحراء الغربية ودعم تقرير المصير الصحراوي، لا تريد الجزائر فراغاً أو تصعيداً مسلحاً هناك أيضاً. خلال تصويت التجديد السابق لـ"المينورسو" عام 2024 - السنة الأولى للجزائر كعضو غير دائم في مجلس الأمن - أثبتت أنها محاور صعب، دافعت بقوة عن تعديلات من شأنها أن تعكس موقفها بشكل أفضل (مثل إعادة إدراج مراجع مباشرة لاستفتاء؛ إضافة ولاية لمراقبة حقوق الإنسان). في النهاية، شعرت بالإحباط وامتنعت عن المشاركة في التصويت تماماً؛.وقد سلطت هذه الواقعة الضوء على نقص الدعم لموقف الجزائر حول الصحراء الغربية، حيث تم رفض جميع تعديلاتها المطلوبة، فيما امتنعت موسكو عن التصويت كما فعلت العام السابق. (العلاقات الروسية-الجزائرية عميقة تاريخياً لكنها ليست مثالية، وموسكو على الأرجح غير راغبة في الذهاب أبعد من الامتناع حول هذه القضية.)
ومع اقتراب تصويت الشهر المقبل، تدرك الجزائر أنها تواجه مجدداً معضلة صعبة. فخشية العزلة الدبلوماسية، قد تتبنى نهجاً أكثر براغماتية، كما يوحي رد فعلها المقيس على التحول البريطاني الأخير حول الصحراء الغربية مقارنة بإدانتها الصريحة للتحولات السابقة من إسبانيا وفرنسا. كيف تقارب الجزائر هذه القضايا مهم نظراً للدور الرئيسي الذي تلعبه في احتواء "البوليساريو".
نحو نهج مدروس
رغم أن "المينورسو" تجاوزت ولايتها الأصلية التي كانت تركز على تنظيم الاستفتاء، إلا أنها ما تزال تلعب دوراً مفيداً في مراقبة وقف إطلاق النار بين المغرب وجبهة "البوليساريو" والحفاظ على الهدوء. لذلك، حان الوقت للشروع في بناء أسس تسمح بالخروج التدريجي من الوضع الراهن، مع الاستمرار في الاستفادة من الفوائد العملية لبقاء البعثة عاملة. ولتحقيق ذلك، على الولايات المتحدة وشركائها القيام بالخطوات التالية:
- تعيين نقطة اتصال أميركية واضحة للملف. لإحداث تقدم في مسار "المينورسو" وقضية الصحراء الغربية، ينبغي أن يكلّف الرئيس ترامب شخصية إدارية رفيعة المستوى بمتابعة هذا الملف بشكل متواصل -- ويفضل أن يتم ذلك قبل تصويت التجديد الشهر المقبل. خطوة كهذه من شأنها إطلاق حوار جاد لا مع المغرب فحسب، بل مع الجزائر أيضاً، وربما مع "البوليساريو". ومن اللافت أن الإدارة لم ترسل حتى الآن أي مسؤول بارز إلى المغرب، في حين قام مستشار ترامب لشؤون أفريقيا، مسعد بولس، بزيارة الجزائر في تموز/يوليو الماضي.
- تشجيع المغرب على توضيح خطة الحكم الذاتي. بعد أن نجحت الرباط في إقناع الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة وآخرين بأن مقترح الحكم الذاتي لعام 2007 هو الخيار الأكثر واقعية لكسر جمود عقود من النزاع، حان الوقت لتحويل هذه الرؤية إلى إطار عملي ومقنع يمكن للمجتمع الدولي المصادقة عليه. وقد ألمح وزير الخارجية روبيو إلى مثل هذا الطرح حين استخدم تعبير "الحكم الذاتي الحقيقي" خلال لقائه مع بوريطة في نيسان/أبريل الماضي.
- دمج الجزائر بشكل كامل في النقاشات. رغم أن تشكيلة مجلس الأمن ستصبح أكثر ملاءمة للمغرب مع خروج الجزائر في كانون الثاني/يناير المقبل، فإن مصلحة واشنطن تقتضى الاستفادة من وجودها الحالي داخل المجلس، بما يتيح تثبيت تعديل ولاية "المينورسو" بدعم رسمي من الطرف الأكثر قدرة على ضمان موافقة "البوليساريو" السلمية. ويمكن للولايات المتحدة والمملكة المتحدة لعب دور حاسم في تحفيز المسؤولين الجزائريين لدعم هذا النهج -- مثلاً عبر إقناعهم بأن ذلك قد ينهي الانطباع بأن الجزائر ترعى مجموعة يعتبرها بعض صانعي القرار في واشنطن منظمة إرهابية، ويفتح في المقابل آفاقاً اقتصادية جديدة. أما استبعاد الجزائر من العملية، فالأرجح أن يدفعها إلى لعب دور المعرقل.
- تعزيز التعاون الأميركي-الفرنسي حول "المينورسو" والصحراء الغربية. كما أظهرت المفاوضات الأخيرة بشأن تجديد مهمة "اليونيفيل" في لبنان، فإن التنسيق الأميركي مع باريس قادر على الوصول إلى أفضل التسويات الممكنة في الملفات المعقدة. ورغم خلافاتهما الكبيرة في بعض جوانب السياسة الشرق أوسطية - مثل الاعتراف بالدولة الفلسطينية - فإن الولايات المتحدة وفرنسا تتشاركان مواقف قوية في ملفات أخرى، على غرار فرض عقوبات "السناب باك" على إيران. وقضية الصحراء الغربية تندرج بوضوح ضمن هذا النوع الثاني، ما يمنح الحليفين فرصة لاستخدامها لتطوير مصالحهما المشتركة وتحقيق مكسب حيوي في منطقة معقدة.