
- تحليل السياسات
- تنبيه سياسي
البحرين توطد علاقاتها الاقتصادية مع الولايات المتحدة

يُجسّد إعلان المملكة مؤخراً عن استثمارات تُقدر بمليارات الدولارات في الولايات المتحدة التزامها الراسخ بـ"اتفاقية التعاون الأمني الشامل" (C-SIPA)، فضلاً عن توافق دول الخليج عموماً مع أولويات السياسة الخارجية لإدارة ترامب.
عندما وصل ولي العهد، الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، إلى واشنطن الأسبوع الماضي، بدت أهمية زيارته واضحة بالنسبة للبحرين، تلك الدولة الجزرية الصغيرة الواقعة على الخليج العربي مقابل إيران، والتي تستضيف مقر القيادة المركزية للقوات البحرية الأمريكية، فضلاً عن وجود أكثر من 9000 جندي أمريكي على أراضيها. هذه المعطيات الاستراتيجية ازدادت أهميتها بعد التوترات التي شهدتها المنطقة، خاصة مع قطر، الشريك الآخر للولايات المتحدة الذي يستضيف أيضاً قوات أمريكية. كذلك يعكس جدول أعماله المكثف - الذي تضمن حفل استقبال في غرفة التجارة الأمريكية ومأدبة غداء مع الرئيس ترامب - كيف باتت العلاقات الاستراتيجية تتداخل بشكل متزايد مع الأبعاد الاقتصادية في ظل إدارة ترامب.
وخلال الزيارة، أعلن ولي العهد (الذي يشغل أيضاً منصب رئيس الوزراء) عن باقة متنوعة من الاستثمارات والاتفاقيات التجارية بالتعاون مع شركات أمريكية، وتشمل:
• توقيع اتفاقية مع شركة "سيسكو سيستمز" لتوفير حلول البنية التحتية الرقمية المتطورة التي تدعم أنظمة المعلومات والاتصالات الحكومية البحرينية؛
• وضع خطط لإنشاء كابل بحري من الألياف البصرية بطول 800 كيلومتر يهدف إلى ربط البحرين والمملكة العربية السعودية والكويت والعراق بالبنية التحتية للشبكة العالمية؛
• ضخ استثمارات بقيمة 10.7 مليار دولار في الولايات المتحدة من قبل مؤسسات مالية وشركات من القطاع الخاص في البحرين؛
• إطلاق رحلات جوية تجارية مباشرة بين المنامة ونيويورك؛
• توجيه استثمارات بقيمة ملياري دولار من قبل صندوق "ممتلكات" المملوك للدولة في البحرين، لتطوير مشاريع الألمنيوم بالشراكة مع شركات أمريكية.
تغطي الصفقات، التي يبلغ مجموعها حوالي 17 مليار دولار، طيفاً واسعاً من القطاعات مثل الطيران، والتكنولوجيا، والتصنيع، والتمويل. واللافت أن جميع هذه القطاعات تشكل مكونات أساسية في "اتفاقية التكامل الأمني الشامل والازدهار"، وهي إطار عمل فريد من نوعه وقعته المنامة وواشنطن في أيلول/سبتمبر ٢٠٢٣ لتعزيز التكامل في المجالات الأمنية والاقتصادية والتكنولوجية. وقد انضمت المملكة المتحدة إلى هذا الإطار بعد عام واحد، فيما تسعى الاطراف إلى توسيعه بشكل أكبر، والهدف النهائي هو إنشاء بنية تحتية أمنية متماسكة وتعاون اقتصادي وتكنولوجي أعمق بين الشركاء الموثوق بهم في الشرق الأوسط وخارجه.
تسلط اتفاقيات الأسبوع الماضي الضوء على تركيز البحرين على توسيع التعاون الاقتصادي مع الولايات المتحدة من خلال "اتفاقية التكامل الأمني الشامل والازدهار"، مما يؤكد رغبة المملكة في أن تكون لاعباً اقتصادياً رئيسياً في الخليج ويُبرز تأكيدها على التنويع الصناعي. كما أن هذه الاتفاقيات تتماشى مع أولوية السياسة الخارجية للرئيس ترامب، المتمثلة في تعزيز العلاقات الثنائية من خلال القنوات الاقتصادية، وهو موضوع أساسي في زيارته الأخيرة إلى الخليج. ونظراً لأن البحرين لم تكن على جدول أعمال تلك الزيارة في أيار/مايو، فمن المرجح أن ولي العهد كان يأمل في إظهار القيمة التي يمكن أن تقدمها بلاده للولايات المتحدة، ليس فقط كشريك أمني موثوق، ولكن أيضاً كشريك تجاري يمكنه تعزيز جهود إدارة ترامب في دعم خلق فرص العمل والتقدم الاقتصادي. بذلك، يمكن للمنامة أيضاً أن تحقق مصالحها الخاصة، وفي مقدمتها رغبتها في زيادة البصمة الصناعية للمملكة، وتوسيع التعاون الدولي، وربما خفض بعض الرسوم الجمركية الأمريكية.
تجدر الإشارة بشكل خاص إلى استثمار شركة "ممتلكات" بقيمة ملياري دولار في مشاريع الألمنيوم في الولايات المتحدة، والتي ستعمل على تحويل هذه المادة إلى منتجات قابلة للاستخدام. وتعد البحرين بالفعل رائدة إقليمية في عمليات استخراج وإنتاج الألومنيوم؛ فقد أصبحت شركة "البحرين للألمنيوم" واحدة من أكبر مصاهر الألومنيوم في العالم خارج الصين. قد يمنح التوسع النشط في مشاريع التكرير والبتروكيماويات للمنامة نفوذاً تفاوضياً إضافياً عند السعي لخفض الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس ترامب على الألومنيوم، والتي تم تحديدها بنسبة 10% خلال فترة ولايته الأولى وارتفعت الآن إلى 25 %. ومن خلال إظهارها مراعاتها لمصالح الولايات المتحدة، يمكن للمملكة الحصول على تنازلات في هذا المجال. على نطاق أوسع، يمكن أن تساعد مشاريع التكرير في تعزيز جهودها لتنويع الاقتصاد وجعله أكثر مرونة.
كما يشير اتفاق الألمنيوم إلى ثقة البحرين فيما يمكن أن تحققه من استثمارات طويلة الأجل في الولايات المتحدة. بالنسبة لشركة "ممتلكات"، يمثل مبلغ 2 مليار دولار حوالي 11% من إجمالي أصولها المدارة، وهو رقم كبير بالنسبة لاستثمار واحد، خاصة بالنسبة لبلد يعاني من ديون حكومية مرتفعة وكان يعتمد بشكل كبير على جيرانه للحصول على الدعم الاقتصادي حتى وقت قريب. بالمقارنة، يدير صندوق الاستثمارات العامة في المملكة العربية السعودية أصولاً تقدر بـ 925 مليار دولار، حوالي 9% منها مخصصة للاستثمارات في الولايات المتحدة. كما أن أكبر صندوقين للثروة السيادية في الإمارات العربية المتحدة، وهما هيئة أبوظبي للاستثمار وشركة مبادلة للاستثمار، حيث يمتلكان حوالي 30– 45% من محافظهما الاستثمارية في أصول أمريكية. قد ترتفع هذه الأرقام إذا تم تنفيذ المبادرات التي تم الإعلان عنها خلال زيارة ترامب إلى الخليج كما هو مخطط لها.
من خلال الإعلان عن هذه الخطوات وعقد اجتماع رفيع المستوى في البيت الأبيض في مثل هذا التوقيت الحرج على الصعيدين الإقليمي والدولي، تشير واشنطن والمنامة إلى عزمهما الراسخ على تعميق العلاقات التجارية من خلال "اتفاقية التعاون الأمني الشامل". بالإضافة إلى ذلك، قد يساعد توسيع الشراكة لتتجاوز العلاقات الدفاعية على تعزيز حاجة الطرفين لبناء علاقة أكثر تنوعاً، قادرة على تأمين سلاسل التوريد الرئيسية ووضع البلدين في موقع الريادة في المشهد الجيوسياسي المتغير للتجارة والتكنولوجيا.