
- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 4042
اغتنام لحظة الفرصة في سوريا: إرشادات للتحرك الأميركي

أربعة خبراء يناقشون الخطوات التي ينبغي على إدارة ترامب اتخاذها بعد محادثاتها المهمة مع الرئيس الشرع، بدءاً من التعامل مع تعقيدات نظام العقوبات، وصولاً إلى إدارة توقعات الحلفاء وضمان تسليم مهمة مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية بشكل آمن.
في الحادي والعشرين من أيار/مايو، نظّم معهد واشنطن منتدى سياسات افتراضياً شارك فيه كل من ماثيو ليفيت، وديفورا مارغولين، وسهيرة مديني، وديفيد شينكر.
- ماثيو ليفيت هو زميل فرومر– ويسكلر في المعهد، ومدير برنامج راينهارد لمكافحة الإرهاب والاستخبارات، ومؤلف تقرير "التنقل في معضلة العقوبات السورية".
- ديفورا مارغولين زميلة بلومستين– روزنبلوم، وقد استضافت مؤخراً حلقة "الأمل في الهول؟" ضمن سلسلة الفيديو "انهيار سوريا".
- سهيرة مديني هي زميلة زائرة في المعهد، من وزارة أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسية.
- ديفيد شينكر يشغل منصب الزميل البارز في برنامج روبين للسياسة العربية، وهو مساعد سابق لوزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى في إدارة ترامب الأولى.
وفيما يلي ملخص لملاحظات ومداخلات كل منهم خلال المنتدى:
ماثيو ليفيت
رغم أن لقاء الرابع عشر من أيار/مايو بين الرئيس أحمد الشرع ونظيره الأمريكي كان استثنائياً بالنظر إلى التصنيفات السابقة التي اعتبرت الشرع شخصية إرهابية، إلا أن مثل هذه اللقاءات ليست غير مسبوقة في تعامل المسؤولين الأمريكيين مع شخصيات مثيرة للجدل من هذا النوع. فالقضية الأهم ليست في مقولة "من كان جهادياً في السابق سيظل كذلك إلى الأبد"، بل في مدى وجود ما يدعو واشنطن إلى الوثوق به في المستقبل.
وفي هذه الحالة، تتباين الصورة. فقد عيّن أبو بكر البغدادي، زعيم تنظيم الدولة الإسلامية الراحل، الشرع لقيادة الفرع السوري لتنظيم القاعدة. إلا أن الشرع قام لاحقاً بقطع علاقاته مع الجماعات الجهادية، بل وأصدر بحقه رجل الدين المتشدد أبو محمد المقدسي فتوى ضده، كما أنه لم يتورط في أنشطة إرهابية دولية أثناء قيادته لإدارة مستقلة متمردة في محافظة إدلب. ومع ذلك، فإن علاقاته المستمرة مع مقاتلين مصنفين كإرهابيين من قبل الولايات المتحدة – وهم منخرطون ضمن الجيش السوري الجديد – تبقى مصدر قلق بالغ، مما دفع إدارة ترامب إلى المطالبة بإقصائهم من مواقع السلطة. في المقابل، اتخذت حكومة الشرع الجديدة خطوات بناءة مفاجئة، مثل وقف نقل الأسلحة إلى حزب الله، وطرد القوات الإيرانية من البلاد، واتخاذ إجراءات ضد تنظيم الدولة الإسلامية بناءً على معلومات استخباراتية أمريكية.
ومن أجل الحفاظ على النفوذ في دمشق، لا تزال واشنطن تمتلك أداتين رئيسيتين: تفعيل العقوبات الاقتصادية مجدداً، والإبقاء على وجود عسكري أمريكي محدود على الأرض، ولا سيما لتأمين مراكز احتجاز عناصر تنظيم الدولة الإسلامية وعائلاتهم. وعلى الرغم من أن الرئيس ترامب أعلن بعد لقائه مع الشرع عن نية رفع العقوبات بشكل كامل، فإن وزارة الخارجية ووزارة الخزانة تبحثان في سبل لتعليق العقوبات مؤقتاً بدلاً من إنهائها. هذه المقاربة من شأنها أن تسمح بعودة النشاط الاقتصادي الكامل في سوريا، مع الإبقاء على أدوات الضغط الأمريكية لضمان وفاء الحكومة الجديدة بتعهداتها. وباختصار، يبدو أن واشنطن اختارت نهج "التحقق المستمر" بدلاً من "الثقة المسبقة".
ومن المهم الإشارة إلى أن العديد من هذه العقوبات – لا سيما تلك المفروضة بموجب "قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا" لعام 2019 – لا يمكن رفعها دون تشريع صادر عن الكونغرس. وتشمل هذه العقوبات تلك الموجهة ضد الدولة السورية، وهي الأشد ضرراً على سوريا الجديدة. ومن الناحية الإجرائية، يمكن لإدارة ترامب تعليق تنفيذ قانون قيصر مؤقتاً، لكن إلغاؤه نهائياً سيستغرق وقتاً طويلاً. ويُضاف إلى ذلك أن إعلان الرئيس ترامب المفاجئ أثار حالة من الإرباك داخل المؤسسات الحكومية الأمريكية حول كيفية تنفيذ هذا القرار، مما يعزز الرأي القائل بأن التعليق المؤقت للعقوبات هو الخيار الأفضل حالياً، وليس رفعها النهائي.
ديفورا مارغولين
مع أن قرار الرئيس ترامب بشأن رفع العقوبات كان غير متوقع، إلا أن تركيزه على مواصلة جهود مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية لم يكن مفاجئاً. فمنذ عام 2014، كانت محاربة هذا التنظيم تمثل محوراً أساسياً في السياسة الأمريكية تجاه سوريا، من خلال الشراكة الوثيقة مع قوات سوريا الديمقراطية بقيادة كردية. ورغم إعلان النصر العسكري على تنظيم الدولة الإسلامية في عام 2019، لا تزال الآلاف من عناصر التنظيم محتجزة في مراكز اعتقال تُشرف عليها قوات سوريا الديمقراطية. وقد حذرت القيادة المركزية الأمريكية مراراً من المخاطر الأمنية التي تشكلها هذه المرافق. ففي عام 2023، توقعت الجهات العسكرية أن انسحاب الولايات المتحدة من سوريا قد يؤدي إلى اقتحام السجون، وتزايد التطرف داخل مخيم الهول، وعودة التنظيم للظهور بقوة خلال فترة زمنية تتراوح بين عام إلى عامين.
واليوم، تتعامل واشنطن مع حكومة سورية جديدة، ويأمل العديد من المسؤولين الأمريكيين أن تسهم هذه القيادة في تحقيق بعض الاستقرار داخل البلاد. وفي الوقت ذاته، تسعى الولايات المتحدة إلى تقليص وجودها العسكري الإقليمي، وخفض التكاليف المتعلقة به، بما في ذلك إنهاء برنامج التدريب والتجهيز الخاص بمكافحة تنظيم الدولة الإسلامية، والمقرر إيقافه في عام 2026.
وفي المرحلة الحالية، طلبت الولايات المتحدة من الرئيس الشرع التعاون في منع عودة تنظيم الدولة الإسلامية، وتسلم مسؤولية إدارة مراكز الاعتقال في شمال شرقي سوريا. ويرى الكثيرون أن استعداد الحكومة الجديدة للعمل بناءً على المعلومات الاستخباراتية الأمريكية حول تنظيم الدولة، إلى جانب هذا النوع من التعاون، قد يخفف من المخاوف المتعلقة بماضي الشرع وعلاقاته السابقة بالجماعات المتطرفة. ومع ذلك، لا بد من توضيح الآليات التي ستتبعها دمشق في إدارة هذه المهام.
وإذا كانت الحكومة السورية الجديدة ستتولى بالفعل مهام مكافحة تنظيم الدولة، فعلى المسؤولين أولاً تحديد التوقعات الخاصة بمراكز الاعتقال، بما في ذلك الإجراءات الأمنية، وضمان المعاملة الإنسانية للسجناء، وسد أي فجوات في التمويل، إلى جانب وضع جدول زمني واضح، والتنسيق مع الشركاء الدوليين. كما أن تنسيق هذه الجهود مع تركيا، وقوات سوريا الديمقراطية، والشركاء الأوروبيين سيكون أمراً أساسياً.
سهيرة مديني
لقيت التحولات الأخيرة في السياسة الأمريكية تجاه سوريا ترحيباً أوروبياً واضحاً. فقد ساعد قرار الرئيس ترامب بالتعامل مع الحكومة الجديدة في دمشق على تعزيز التوافق داخل الاتحاد الأوروبي، مما سهّل التحرك نحو رفع العقوبات الاقتصادية تدريجياً، بدلاً من مجرد تخفيفها. وتعتمد سياسة الاتحاد الأوروبي في هذا السياق على مبدأ "الثقة مع التحقق"، وهي سياسة قابلة للتراجع، بمعنى أن العقوبات يمكن أن تُعاد في حال عدم التزام دمشق بالتعهدات المتفق عليها.
ويُعزى هذا الإجماع الأوروبي إلى عاملين رئيسيين: أولاً، أن الحرب الأهلية السورية خلّفت آثاراً عميقة في القارة الأوروبية، منها موجات الإرهاب وأزمات اللاجئين، ما جعل الانفتاح على دمشق يُنظر إليه كخطوة ضرورية للحد من تكرار تلك الأزمات، وهو موقف يشاركه وزير الخارجية الإيطالي ماركو روبيو. ثانياً، دفعت الحرب الروسية على أوكرانيا الاتحاد الأوروبي إلى تقليل اعتماد دمشق على موسكو، لمنع الكرملين من استغلال الملف السوري مجدداً كورقة ضغط ضد أوروبا.
ولكن لتحقيق ذلك، تحتاج القيادة الأوروبية إلى التعاون مع واشنطن في أربعة مجالات أساسية:
- تخفيف العقوبات الأمريكية: لا تزال العقوبات الثانوية والثالثية التي تفرضها الولايات المتحدة تمثل عائقاً رئيسياً أمام أي استثمار أوروبي في سوريا. وإذا لم تُحل هذه المسألة، فلن تُقدِم الشركات والبنوك الأوروبية على الاستثمار.
- ملف الأسلحة الكيميائية: يتوجب على الولايات المتحدة وأوروبا الضغط من أجل تعاون حقيقي بين دمشق ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية لتدمير ما تبقى من ترسانة النظام السابقة.
- جهود مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية: الوضع في شمال سوريا لا يزال مقلقاً. ومع استمرار المعركة ضد التنظيم، يجب تنسيق أي انسحاب أمريكي مع شركاء التحالف لتفادي تكرار سيناريو الانسحاب من أفغانستان.
- تحقيق العدالة الانتقالية: هناك توافق بين الولايات المتحدة وأوروبا على أن أي تسوية مستدامة في سوريا يجب أن تتضمن آليات للعدالة الانتقالية، لضمان المساءلة، ومنع العنف في المستقبل، وتحقيق المصالحة الوطنية، وبناء دولة مستقرة.
ديفيد شينكر
يبدو أن قرار الرئيس ترامب بإنهاء خمسة عقود من العقوبات الأمريكية على سوريا جاء نتيجة لضغوط من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس التركي رجب طيب أردوغان. ورغم أن القرار أثار دهشة العديد من المراقبين، إلا أنه يتماشى مع أسلوب ترامب المعروف باتخاذ قرارات مفاجئة في السياسة الخارجية، كما حدث في عام 2018 عندما أمر بسحب القوات الأمريكية من سوريا بعد مكالمة هاتفية مع أردوغان.
في السابق، كان تخفيف العقوبات مشروطاً بتحقيق ثمانية مطالب حددتها نائبة مساعد وزير الخارجية ناتاشا فرانشيشي خلال مؤتمر المانحين في بروكسل في مارس/آذار، وهي تشمل طرد الجماعات الفلسطينية الإرهابية، وإخراج المقاتلين الأجانب، والسيطرة على مخيمات تنظيم الدولة، ودعم جهود مكافحة التنظيم، والتحقيق في اختفاء الصحفي الأمريكي أوستن تايس. ومع تعليق العقوبات الآن، تراجع جزء كبير من النفوذ الأمريكي في هذه الملفات.
كما أن خروج هذا القرار نتيجة لمحادثات بين ترامب وكل من أردوغان ومحمد بن سلمان يعكس تعاظم تأثيرهما على سياسة ترامب الخارجية، وهو ما يُعد مكسباً دبلوماسياً كبيراً لكل من تركيا والسعودية. فأنقرة، التي لعبت دوراً رئيسياً في الملف السوري لأكثر من عقد، دعمت الهجوم المتمرد على الأسد من خلال الجيش الوطني السوري المدعوم منها، وتسعى الآن إلى الحفاظ على هذا النفوذ مع الحكومة السورية الجديدة. وفي المقابل، تطمح الرياض إلى توسيع نفوذها عبر أدوات المساعدات الإنسانية ومنافسة تركيا.
أما بقية الأطراف الإقليمية، فلها رؤى مختلفة. الأردن ولبنان يأملان أن تؤدي هذه التغيرات إلى استقرار يسمح بإعادة اللاجئين. في حين تنظر إيران، الحليف التقليدي للأسد، بريبة إلى توجهات الشرع نحو الغرب، بينما تنزعج روسيا من قرار إنهاء عقد القاعدة البحرية في طرطوس. أما إسرائيل، فهي غير راضية عن المسار الجديد للسياسة الأمريكية، إذ تفضل بقاء سوريا ضعيفة ومنقسمة. وتجدر الإشارة إلى أن إعلان ترامب بشأن العقوبات كان ثالث قرار رئيسي في الشرق الأوسط تتخذه الإدارة من دون إبلاغ إسرائيل مسبقاً، مما يزيد من قلقها بشأن مسار المفاوضات النووية الجارية مع إيران.
أعدّت هذا الملخص سارة بوشيس، وتُقام سلسلة منتدى السياسة بدعم كريم من عائلة فلورنس وروبرت كوفمان.