- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
خارطة طريق لولاية ثانية للسوداني: بين الأمل والمصاعب
في حين يستغل محمد شياع السوداني موقعه كرئيس للوزراء لتعزيز حظوظه في الفوز بولاية ثانية، تميل إيران وميليشياتها التابعة لها بشكل متزايد إلى دعم زعيم أضعف لا يشكّل تحدياً لنفوذها المتصاعد في العراق.
من المقرر أن تجرى الانتخابات البرلمانية العراقية في 11 تشرين الثاني/نوفمبر، وسط انقسامات حادة بين الفصائل السياسية الشيعية التي تشكل تحالف "الاطار التنسيقي". وقد اشتد الصراع على السلطة بين المرشحين لرئاسة الوزراء، محمد شياع السوداني ونوري المالكي. وتجدر الإشارة، إلى أن رئيس الكتلة التي تفوز بأكبر عدد من المقاعد في البرلمان لن تضمن بالضرورة توليه منصب رئاسة الوزراء، نظراً لتشابك العوامل السياسية والطائفية والإقليمية التي ستحدد شكل الحكومة المقبلة.
بناء تحالف جديد
يشارك السوداني في العملية السياسية العراقية منذ عام 2003، إذ كان حليفاً مقرباً من المالكي، لا سيما بصفته عضواً في "حزب الدعوة الإسلامية" و"تحالف دولة القانون"، وكلاهما كان يقودهما المالكي. في أعقاب الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في عام 2019 تحت مسمى "حركة تشرين"، غادر السوداني الحزب والتحالف محاولا الترشح لرئاسة الوزراء بالتوافق بعد استقالة عادل عبد المهدي في عام 2019. ومع ذلك، رفض المتظاهرون بشدة ترشيح السوداني، وأصروا على أن يكون رئيس الوزراء الجديد مستقلاً حقاً وغير منتسب إلى أي من الأحزاب السياسية القائمة. ومن ثم، تحطم حلم السوداني عندما أصبح مصطفى الكاظمي رئيساً للوزراء في أيار/مايو 2020.
وفي كانون الثاني/ يناير 2021، أسس السوداني حزب تيار الفراتين وشارك في انتخابات تشرين الأول/أكتوبر2021 التي فاز فيها حزبه بمقعد واحد فقط في البرلمان. ومع ذلك، ارتفع عدد مقاعد حزبه إلى ثلاثة مقاعد بعد انسحاب الحركة الصدرية. وقد أدت الانتخابات البرلمانية لعام 2021 ونتائجها إلى تعميق الأزمة السياسية في العراق. على وجه الخصوص، أصرت كتلة التيار الصدري، التي فازت بأغلبية المقاعد (73)، على تشكيل حكومة أغلبية وطنية ، أي حكومة قائمة على أغلبية ضيقة تستبعد منافسيه الشيعة الرئيسيين في "الإطار التنسيقي" المتحالف مع إيران. ولهذا الغرض، شكل الصدر تحالفاً ثلاثياً أطلق عليه رسمياً اسم "إنقاذ الوطن"، إلى جانب "الحزب الديمقراطي الكردستاني" بقيادة مسعود بارزاني و"ائتلاف السيادة السني" بقيادة محمد الحلبوسي. ومع ذلك، منعت كتلة "الإطار التنسيقي"، بدعم من حكم صادر عن المحكمة الاتحادية العليا العراقية، التحالف الثلاثي من تشكيل حكومة أغلبية. دفع هذا الحركة الصدرية إلى الانسحاب من العملية السياسية في عام 2022. وقد أدى ذلك إلى تغيير موازين القوى السياسية لصالح السوداني، مما مهد الطريق له ليتولى رئاسة الوزراء في تشرين الأول/أكتوبر 2022 بدعم مباشر من المالكي و"الإطار التنسيقي".
كان السوداني يعتزم الترشح في الانتخابات المحلية في كانون الأول/ ديسمبر 2023 بقائمة منفصلة خاصة به، لكنه تحت ضغط من الأحزاب الشيعية وفي محاولة لحماية حكومته، اختار عدم المشاركة. غير أن السوداني غير مساره بالنسبة للانتخابات المقبلة في تشرين الثاني/نوفمبر، إذ بدأ بتشكيل قائمته الخاصة لمنافسة "الإطار التنسيقي" وفي أيار/مايو 2025، أسس السوداني تحالف "إعادة الإعمار والتنمية"، الذي يضم سبع كتل رئيسية ويشمل قادة عسكريين وقبليين وسياسيين. وقد تسببت هذه الخطوة في حدوث انقسامات واسعة داخل الأحزاب الشيعية، التي قررت تقديم أكثر من عشر قوائم انتخابية مختلفة.
منذ اليوم الأول لتوليه منصب رئيس الوزراء، عمل السوداني بجد لتعزيز موقعه وتأمين ولاية ثانية. كانت قاعدته السياسية هشة في البداية، إذ كان يفتقر إلى كتلة برلمانية قوية خاصة به. بل أن الميليشيات الشيعية وصفته علناً بأنه "مدير عام" وليس رئيس وزراء. ومع مرور الوقت، نجح السوداني في تعزيز موقعه وتغيير ميزان القوى داخل "الإطار التنسيقي" لصالحه. وتمكّن من تشكيل ائتلاف قوي جديد لخوض انتخابات تشرين الثاني/ نوفمبر، كما شكل كتلة برلمانية جديدة تضم أكثر من 50 نائباً لتعزيز موقعه السياسي.
ركز ائتلاف السوداني في حملته بشكلٍ أساسي على القضايا الاقتصادية والتنموية، مثل مكافحة الفساد، وزيادة المعاشات التقاعدية ورواتب موظفي القطاع العام، والحد من البطالة، وتطوير شبكات الطرق والبنية التحتية، فضلاً عن تنفيذ مشاريع تنموية كبرى في بغداد وعددٍ من المحافظات الأخرى. وقد عززت الإنجازات المحققة في هذه المجالات مكانة السوداني، إذ أظهر استطلاع أجرى في عام 2023 بأن نسبة التأييد له بلغت 69%. لكن هذه النسبة انخفضت قليلاً إلى 64% في أيلول / سبتمبر 2025. إضافة الى ذلك، فان منصب السوداني كرئيس للوزراء يمنحه في حد ذاته ميزة انتخابية، إذ يساعده على جذب الناخبين الى قائمته وتعزيز مكانته السياسية. لطالما استخدم رؤساء الوزراء موارد الدولة، بما في ذلك الإيرادات، لتحسين أوضاعهم السياسية، والسوداني ليس استثناءً بالتأكيد.
علاوة على ذلك، ورغم انسحاب الحركة الصدرية من الانتخابات، فإنّه وبالنظر إلى الطبيعة غير المتوقعة لزعيمها مقتدى الصدر، يبقى من غير الواضح ما إذا كان سيحافظ على حياده أم سيمنح دعمه الصريح لأحد الأطراف. وتشعر أحزاب "الإطار التنسيقي" بالقلق من احتمال أن يُقدم الصدر دعمه لقائمة السوداني، ما قد يُحدث تحولاً حاسماً في المشهد السياسي والتوازن الانتخابي. وقد يدعم الصدر قائمة السوداني بشكل مباشر أو غير مباشر؛ إذ اشترط مؤخراً دعمه لأي تحالف بالتزامه بتفكيك الجماعات المسلحة، وتعزيز سيادة الدولة العراقية، ومنع الأطراف الخارجية من التدخل في شؤون البلاد. وأخيراً، يتمتع السوداني بقدر من القبول لدى المجتمع الدولي، كما أظهر قدرةً على الحفاظ على توازن دقيق في علاقات العراق الإقليمية، لا سيما مع إيران، والدول العربية، والولايات المتحدة. فخلال سقوط نظام بشار الأسد والحرب بين إسرائيل وإيران، ورغم الضغوط التي مارستها طهران ووكلاؤها العراقيون، تمكّن السوداني من منع انزلاق العراق إلى الصراع، وهو يُبرز هذا الإنجاز اليوم باعتباره أحد إنجازاته الأساسية في حملته الانتخابية.
المالكي في مواجهة السوداني: التنافس الانتخابي والصراع على السلطة
المنافس الرئيسي للسوداني هو المالكي وتحالفه "دولة القانون". فالمالكي، زعيم "حزب الدعوة الإسلامية" والشخصية المقربة من إيران التي تربطها علاقات وثيقة بالفصائل المسلحة الشيعية، شغل منصب رئيس الوزراء لولايتين متتاليتين بين عامي 2006 و2014. كان قرار السوداني الترشح بقائمة مستقلة ومحاولته الفوز بولاية ثانية في رئاسة الوزراء عاملين حاسمين في تفاقم صراعه مع المالكي، الذي يخشى أن يتحول السوداني إلى منافس بارز داخل المشهد السياسي الشيعي. علاوة على ذلك، يتقاطع جمهور الزعيمين وقاعدتهما الانتخابية بشكل واضح، مما يعني أن فوز أحدهما سيأتي على حساب الآخر. ولهذا، يرى المالكي أن صعود السوداني لا يهدد فقط طموحاته في استعادة رئاسة الوزراء، بل يقوض أيضاً قدرته على تنصيب أحد حلفائه المقربين في هذا المنصب مستقبلاً.
في البداية، ضغط المالكي لإجراء انتخابات مبكرة محاولاً منع السوداني من تعزيز موقعه السياسي، ودعا خلال مقابلة مع قناة الشرقية في حزيران/ يونيو 2024 إلى إجراء الانتخابات بحلول نهاية العام نفسه. كما دعا السلطات المعنية إلى منع استخدام موارد الدولة لتأمين الأصوات. وفي المقابلة نفسها، حثّ المالكي على تعديل القانون الانتخابي العراقي للعودة إلى النظام الذي كان معمولاً به عام 2021، الذي يقسم كل محافظة إلى عدة دوائر انتخابية، بدلاً من أن تكون دائرةً واحدة كما هو معمول به حالياً. ومع ذلك، رفضت معظم القوى السياسية، بما في ذلك "الإطار التنسيقي"، وتحالف العراقيين، والسُنّة، والأكراد، هذه المطالب.
وفي آب/ أغسطس 2025، أصدر الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد، تحت ضغط من المالكي وحلفائه، سلسلة من التعليمات المتعلقة بشفافية العملية الانتخابية، والتي اعتُبرت على نطاق واسع محاولة لإضعاف موقف السوداني. وتضمنت تعليمات رشيد – وهي الأولى من نوعها منذ عام 2003 – منع توزيع الأراضي على موظفي الدولة، ووقف جميع التعيينات في المؤسسات الحكومية، وحظر نقل أو ترقية الضباط العسكريين. كما شددت على عدم جواز استخدام الموارد المالية أو البشرية للحكومة بهدف التأثير في نتائج الانتخابات. وفي الوقت ذاته، قدم المالكي نفسه كمرشحٍ رئيسي لتحالفه في بغداد، في إطار منافسته المباشر للسوداني. غير أن الصراع على منصب رئاسة الوزراء يتجاوز حدود المنافسة الشخصية بين الرجلين، إذ تتداخل فيه عوامل داخلية وخارجية متعددة، من شأنها أن تلعب دوراً محورياً في تشكيل الحكومة المقبلة وتحديد هوية رئيس الوزراء الجديد.
دعم أم صراع؟ السوداني وقوات الحشد الشعبي
منذ أن شكل السوداني حكومته، سعى إلى تعزيز موقعه لدى "قوات الحشد الشعبي" عبر تبنى سياسات مواتية لها. ففي ظل حكومته، ارتفع عدد عناصر الحشد من 122 ألفاً إلى 238 ألفاً، فيما ارتفعت ميزانيتها إلى 3.6 مليار دولار. علاوة على ذلك، وافق السوداني على تأسيس شركة المهندس العامة، وهي تكتل اقتصادي تابع لـ"الحشد الشعبي". كما أيد مواقف "الحشد الشعبي" التي تدعو إلى انسحاب الولايات المتحدة من العراق، ودعم مشروع قانون قدمته إيران وحلفاؤها داخل "الإطار التنسيقي" في البرلمان، يرمي إلى تعزيز وتقنين الدورين العسكري والسياسي لـ"الحشد الشعبي". ومع ذلك، وبفعل الضغوط الأمريكية، لم يدفع "الإطار التنسيقي" البرلمان حتى الآن للتصويت على مشروع القانون. كذلك ضم السوداني شخصيات بارزة من الحشد الشعبي في ائتلافه السياسي، من بينها فالح الفياض، رئيس "هيئة الحشد الشعبي"، وأحمد الأسدي، زعيم ميليشيا "كتائب جند الإمام".
ومع ذلك، صعدت "كتائب حزب الله"، أقوى وكيل إيراني في العراق، من تحركاتها ضد السوداني مؤخراً محاولةٍ إضعاف موقعه السياسي قبيل الانتخابات. ففي 27 تموز/يوليو، اقتحم مقاتلو الكتائب مبنى حكومياً في بغداد، ما أدى إلى اشتباكاتٍ مع قوات الأمن أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى. كانت هذه هي المرة الأولى التي ترد فيها حكومة السوداني على وكلاء إيران، الأمر الذي دفع "كتائب حزب الله" إلى دعوة "الإطار التنسيقي" لعزل السوداني من السلطة ووصف رغبته في ولاية ثانية بأنها حلم لن يتحقق. وفي الواقع، تعكس هذه الرسائل – الصادرة عن الوكيل الإيراني الأقوى والأكثر نفوذاً – إشارةً إلى استياء طهران من سياسات السوداني، واحتمال عدم دعمها له لولاية ثانية. فإيران ووكلاؤها يعارضون قيام حكومة عراقية قوية ومستقلةٍ قادرة على صون السيادة الوطنية، لأن الحكومة الضعيفة والهشة تمنحهم مساحة أوسع للتحرك في المستقل وتعزيز نفوذهم. ومن ثم، تركّز الاستراتيجية الإيرانية في الانتخابات المقبلة واختيار رئيس الوزراء القادم على الحفاظ على وحدة صف الأحزاب داخل "الإطار التنسيقي"، بما في ذلك تحديد المرشح لمنصب رئاسة الوزراء من خلال توافق داخلي داخل التحالف، وليس عبر الكتلة التي تحصد أكبر عدد من المقاعد البرلمانية. ومن خلال هذا النهج، تسعى طهران إلى تنصيب رئيس وزراء موال لها ولحلفائها، بما يضمن استمرار تنفيذ سياساتها في العراق والمنطقة على حد سواء.
إلى جانب الصراع القائم على السلطة بين القادة الشيعة البارزين، هناك عدد من الجماعات والأحزاب الشيعية الأخرى – مثل ميليشيا "عصائب أهل الحق" بقيادة قيس الخزعلي، و"تحالف الفتح" بزعامة هادي العامري، و"تحالف قوى الدولة الوطنية" بقيادة عمار الحكيم – قررت خوض الانتخابات بقوائم منفصلة. ولم تنضم هذه الأطراف حتى الآن بشكل واضح إلى أي من التحالفات الكبرى، ومن المرجّح أنها تنتظر ما ستسفر عنه نتائج الانتخابات لتحديد موقفها. ومع ذلك، ونظراً لعلاقاتها الوثيقة مع طهران، فمن المتوقع أن تدعم المرشح الذي يحظى بموافقة إيران.
تاريخياً، افتقر رؤساء الوزراء العراقيون – باستثناء المالكي – إلى قاعدةٍ سياسيةٍ صلبة، ويرجع ذلك أساساً إلى مناورات طهران المستمرة التي تهدف إلى منع بروز زعيم شيعي قوي في بغداد. ويظل الطريق إلى رئاسة الوزراء في العراق محفوفاً بالتحديات السياسية والتعقيدات الدستورية، مما يعني انه لا يوجد ضمان لأن يقود التحالف الفائز بأكبر عدد من المقاعد الحكومة المقبلة.