
- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
رهائن العقل: استراتيجية حماس في استخدام الأسر كسلاح معرفي

لقد اُستخدمت عملية اختطاف الرهائن لتحقيق أغراض متعددة لحركة "حماس"، بما في ذلك اعتماد نهجٍ جديد في الحرب المعرفية. وقد يُشكل ذلك نقطة تحول في استراتيجية الإرهاب، مما يستدعي من الحكومات تطوير وسائل أكثر فعالية للتصدي له.
في السابع من تشرين الأول/أكتوبر ٢٠٢٣، شنت حركة "حماس" هجوماً شاملاً على إسرائيل، في عمل حربي اتسم بعمليات قتل جماعيٍ وتدميرٍ واسع النطاق. لكن إلى جانب البعد العسكري، شنت الحركة أيضاً حملة نفسية قوية. ومن بين أكثر تكتيكاتها تأثيراً الاختطاف المنهجي لأكثر من 250 مدنياً وجندياً، في عملية احتجاز رهائن غير مسبوقة، تُشكل منعطفاً جديداً في استخدام الجهات الفاعلة غير الحكومية لعمليات الاختطاف في الحروب الحديثة. وفي حين أن أخذ الرهائن خدم أغراضاً متعددة لـ"حماس"، فإن استراتيجية الحرب المعرفية التي تنتهجها الحركة حولت الرهائن إلى أدوات للتأثير النفسي بهدف شل القيادة الإسرائيلية، وتفكيك التماسك المجتمعي من خلال الاستنزاف العاطفي، والتلاعب بالسرديات الدولية عبر تسليح التعاطف. إن فهم احتجاز الرهائن كعملية طويلة الأمد للتأثير المعلوماتي والنفسي يعد أمراً بالغ الأهمية لوضع خطة استجابة فعالة تجاه الجهات الفاعلة التي تستخدم هذه التكتيكات. ومن ثم، ينبغي على صانعي السياسات تجاوز النظرة التقليدية إلى الرهائن بوصفهم "دروع بشرية" أو أوراق مساومة، والاعتراف بهم بوصفهم أدوات في استراتيجية أوسع للحرب النفسية.
هجوم السابع من أكتوبر ومنطق الأسر
قد يُنظر إلى اختطاف "حماس" لـ ٢٥١ رهينة، بينهم رضع ومسنون ومدنيون وجنود وأجانب، على أنه مناورة مرتجلة جرت وسط الفوضى التي أعقبت هجوم السابع من أكتوبر. لكن المواد التي تم العثور عليها مع العناصر المسلحة الأسرى تؤكد أن عمليات الاختطاف تمت وفقاً لدليل مطبوع ومفصل، يوجه العناصر حول كيفية عزل الرهائن وتقييدهم وإجلائهم من الأراضي الإسرائيلية. تضمنت بعض هذه الوثائق إرشادات لتصنيف الأسرى بناءً على مدى فائدتهم من حيث التأثير العاطفي وقيمتهم التفاوضية، مع إعطاء الأولوية بشكل خاص للمسنين والنساء والأطفال. وفي حين أن أخذ الرهائن خدم أهدافاً عسكرية فورية - بما في ذلك إبطاء الاستجابة العسكرية الإسرائيلية وانتزاع تنازلات سياسية - إلا أنه كان أيضاً أداة فعالة في الحرب المعرفية، استُخدمت لتعطيل صانعي القرار الإسرائيليين، وتفكيك الوحدة المجتمعية الإسرائيلية، وإعادة تشكيل التصور العالمي.
الحرب المعرفية والشلل الوطني
تُشير "الحرب المعرفية" إلى الاستغلال المتعمد للتضليل، والمعلومات المضللة، والتلاعب النفسي، أو الإكراه العاطفي، بغرض التأثير على إدراك المجتمعات للواقع، وعلى كيفية اتخاذ القرارات والاستجابة للتهديدات. وقد استخدمت "حماس" هذا المفهوم كسلاح رئيسي، من خلال وضع قادة "إسرائيل" في موقف حرِج لا يمكن الفوز فيه، إذ إن كل عملية عسكرية في غزة تُعرض حياة الرهائن الإسرائيليين المحتجزين لدى "حماس" للخطر. علاوة على ذلك، تؤكد قوات الدفاع الإسرائيلية أن مبدأ "عدم ترك أي جندي "خلفنا" يُمثل قيمة وطنية أساسية وواجباً ينطبق على جميع الإسرائيليين، بغض النظر عن دينهم أو خلفيتهم. ولكن في أعقاب أحداث السابع من أكتوبر، ثبت أن التمسك بهذا المبدأ في ظل الوضع الراهن، ومع وجود هذا العدد الكبير من المدنيين والجنود المختطفين كرهائن، لا يطرح تحدياً عملياً فحسب، بل يثير أيضًا قضايا سياسية بالغة الحساسية.
ولهذه الغاية، عمدت "حماس" إلى نشر مقاطع فيديو للرهائن في لحظات سياسية حرجة، بهدف تعميق الانقسامات الداخلية في إسرائيل وزعزعة علاقاتها مع الولايات المتحدة. في نيسان/أبريل 2024، نشرت "حماس" مقطع فيديو يُظهر أن هيرش غولدبرغ بولين لا يزال على قيد الحياة، بعد حملة عامة مكثفة شنها والداه الأمريكيان-الإسرائيليان وكبار المسؤولين الأمريكيين، والتي جذبت انتباه العالم. وقد استغلت "حماس" توقيت نشر الفيديو لزيادة الضغط على الحكومة الإسرائيلية من قبل دوائر داخلية وإدارة بايدن. وبعد عام، وعشية عيد الفصح في نيسان/أبريل 2025، نشرت "حماس" أول فيديو لعيدان ألكسندر، وهو آخر رهينة أمريكي لا يزال على قيد الحياة، وذلك قبل أيام قليلة من إطلاق سراحه في نهاية المطاف. وتُظهر الحالتان كيف تستخدم حماس الرهائن ذوي الجنسية المزدوجة بوصفهم أصول عالية القيمة للتلاعب بالجداول الزمنية للدبلوماسية، وشق صفوف الحلفاء، وتعظيم الضغط النفسي على القيادة الإسرائيلية.
وبالتالي، فإن منطق الردع التقليدي للجيش الإسرائيلي، القائم على الانتقام السريع والساحق، بات مقيداً بالمبادئ الإنسانية التي يلتزم بها، وهي المبادئ التي سعت "حماس" إلى استغلالها لصالحها. وفي الوقت عينه، عرضت الاستراتيجية العسكرية للحركة المدنيين الفلسطينيين للخطر، حيث استخدمت المدنيين عمداً بوصفهم دروعاً بشرية بعد أن دمجت مقاتليها وبنيتها التحتية داخل المناطق المدنية وتحتها، بما في ذلك المستشفيات والمدارس والمنازل السكنية. لم تكن الخسائر في صفوف المدنيين مجرد أضرار جانبية؛ بل كانت أداة في يد الحركة لتقويض شرعية إسرائيل وتأليب الرأي العام العالمي ضدها.
أُسر الرهائن: ضحايا وشهود وأدوات
لم تعمل الحركة على التلاعب بالقيادة الإسرائيلية فحسب، بل استهدفت بشكل مباشر أُسر الرهائن أيضاً. وبعد السابع من أكتوبر، أصبحت أُسر الرهائن على الفور شخصيات عامة، ووجوهاً إعلامية بارزة تدافع عن أفراد أُسرها. ومع مرور الوقت، تزايدت شكوك عائلات الرهائن في أن استعادة الرهائن تمثل أولوية قصوى للحكومة الإسرائيلية. وسرعان ما أصبحت جماعات مثل منتدى عائلات الرهائن والمفقودين لاعباً رئيسياً في الخطاب الوطني، وأصدرت نداءات عاطفية تدعو إلى ضبط النفس وركزت اهتمام وسائل الإعلام الدولية على الخسائر البشرية للحرب. كما سارت بعض العائلات إلى القدس للمطالبة بوقف إطلاق النار، وانضم إليها عشرات الآلاف من الإسرائيليين. وفي المقابل، اتهم آخرون الحكومة بالتضحية بأحبائهم على مذبح الشرف الوطني.
استغلت الحركة حزنهم وضعفهم، وأرسلت إليهم أحياناً رسائل مباشرة عبر وسائل الإعلام أو من خلال قنوات أكثر سرية. كانت هذه الرسائل تهدف إلى ترويع أحبائهم لضمان ضغطهم على الحكومة الإسرائيلية أو تعريضهم لتهديدات بإلحاق الأذى بـأقاربهم. ومن بين المستهدفين كانت عيناف زانغاوكر، والدة الرهينة ماتان زنغاوكر، التي أصبحت رمزاً للحملة العامة التي شنتها عائلات الرهائن. كما أرسلت "حماس" رسائل رمزية خلال "مراسم" الإفراج عن الرهائن، حيث علقت ساعة وكتبت عليها "وقت ماتان ينفد"، مستغلة الدور البارز الذي لعبته عيناف لممارسة الضغط النفسي عليها وعلى المجتمع الإسرائيلي ككل.
ومن الأمثلة الأخرى على الاستغلال النفسي، كانت حالة جاي جيلبوا كالال، إيفياتار دافيد، الذين لا يزالون في الأسر. فخلال وقف إطلاق النار الأخير في أوائل عام 2025، أحضرتهم الحركة إلى نقطة نقل الرهائن، فقط لتُرغمهم على مشاهدة إطلاق سراح رهائن آخرين. ظهر لاحقاً مقطع فيديو للشابين وهما يبكيان في المقعد الخلفي للسيارة أثناء إعادتهما إلى الأنفاق. أكدت جودة الإنتاج الاحترافية أن وجودهما لم يكن مجرد حادث لوجستي، بل كان عملاً متعمداً يهدف إلى تعميق معاناة الرهائن وإرسال رسالة إلى المجتمع الإسرائيلي مفادها: "نحن نسيطر على التوقيت، وعلى حياة وأحاسيس أطفالكم.
وفي حين حولت بعض العائلات ألمها إلى دعوة للدفاع عن قضيتها، رفضت عائلات أخرى أن تُختزل كرموز في صراع لم تختره. ومع ذلك، ظلت جميع هذه العائلات خاضعة للديناميكية القاسية نفسها، حيث أُعيد تشكيل أحزانها الصادقة والمشروعة لتُقدم كاتهام سياسي. كما أن معاناة تلك الأسر، مثل مصير أحبائهم، لا يمكن أن تظل أمراً خاصاً، بل تتحول إلى مورد عام تُوظفه "حماس"، وتستغله الأطراف السياسية، ويستهلكه عالم يراقب عن كثب. أدى هذا الوضع المتأزم إلى موجة ثانية من الضغط النفسي، حيث بدأ الخطاب العام في إسرائيل يتجه نحو الاستقطاب حول من "يملك" رواية الرهائن. هل كانت جهود الحكومة كافية؟ وهل ساهمت العمليات العسكرية في تفاقم الوضع؟ وهل حظي بعض الرهائن بأولوية أكبر من غيرهم؟ حتى داخل العائلات، بدأت الروح التآزرية تتراجع.
من خلال دمج هذه المعضلات المتعلقة بالمدنيين في الحسابات العسكرية الإسرائيلية، تهدف الحركة إلى عرقلة عملية صنع القرار وتقويض الإجماع العام الداعم للحرب في غزة. بالنسبة للحركة، لم يكن هذا الانقسام في الوحدة بين الشخصيات البارزة في المجتمع الإسرائيلي مصادفة، بل كان الهدف المنشود. علاوة على ذلك، فإن الأثر الصادم لاختطاف الرهائن يتجاوز بكثير أُسر المختطفين، فهو يتردد صداه في جميع أنحاء الرأي العام الإسرائيلي، الذي يقع بين الرغبة في حل عسكري يُنهي تهديد "حماس" وبين مخاطر تعريض حياة المختطفين في غزة للخطر. في هذا الميدان المعرفي، لا تكمن القسوة فيما يتم فعله فحسب، بل فيما يتم حجبه: المعلومات، والوضوح، والختام. إن عدم معرفة مصير أحد الأحباء يُصبح سلاحاً نفسياً بحد ذاته، فهو عبء عاطفي دائم. وتُدرك الحركة أن ثقل هذا العبء مُرهق سياسياً، ومستنزف نفسياً، وقابل للاستغلال استراتيجياً.
تقييم الرد الإسرائيلي والتوصيات السياسة
على الرغم من الجهود الدبلوماسية والاستخباراتية والعسكرية المستمرة، فشلت الحكومة الإسرائيلية في إيجاد رد متماسك على استخدام "حماس" الوحشي والمحسوب للرهائن في الحرب المعرفية. كانت الرسائل مجزأة، وغالباً ما كانت مسيسة، ومُضرة من الناحية الاستراتيجية. على سبيل المثال، انتقد نتنياهو احتجاجات عائلات الرهائن، زاعماً أنها تُقوي موقف "حماس" التفاوضي وتُبطئ تحقيق النتائج. كما أعطى وزراء بارزون الأولوية لبناء القاعدة السياسية على حساب الوحدة الوطنية، في حين لم يتم تحديد سياسة حكومية واضحة لضمان إطلاق سراح الرهائن أو حل الصراع الأوسط.
في المقابل، عبر الرأي العام الإسرائيلي عن موقف واضح وثابت من الحرب، مؤكداً أن استعادة الرهائن تمثل أولوية وطنية قصوى، حتى لو كان ذلك على حساب التنازل عن أهداف عسكرية أخرى. أظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة، بما في ذلك تلك التي أجرتها قناة 12 نيوز وINSS، أن 69 في المئة من الإسرائيليين، بمن فيهم 54 بالمئة من ناخبي الائتلاف، يؤيدون إنهاء الحرب مقابل عودة الرهائن وهي نتائج تم تأكيدها أيضاً من قبل المعهد الإسرائيلي للديمقراطية. ويتناقض هذا التصميم المجتمعي بشكل صارخ مع الشلل الحكومي، كما يبرز الخطوط الفاصلة النفسية التي سعت "حماس" عمداً إلى تعميقها.
قد يكون اختطاف "حماس" الجماعي للرهائن نقطة تحول في استراتيجية الإرهاب. فجماعات مثل "حماس" والدول التي تدعمها هي جهات فاعلة قادرة على التكيف. وإذا تبين أن الاختطاف الجماعي يؤدي إلى تنازلات أو تعاطف دولي أو نفوذ دبلوماسي، فسوف يتكرر. لمواجهة ذلك، يجب على الحكومات الاستفادة من التجربة الإسرائيلية لتحسين استعداداتها النفسية والاستراتيجية والخطابية قبل أن تختبرها أزمات مماثلة.
- إعادة صياغة عملية اختطاف الرهائن بوصفها حرب نفسية: يجب الاعتراف بأن اختطاف الرهائن الجماعي يُمثّل شكلاً متعمداً من أشكال الحرب النفسية والمعرفية، وليس مجرد مأساة إنسانية. لذلك، يجب أن تعكس أطر الأمن القومي والسياسة الخارجية هذه الحقيقة وأن تعامل الجناة على أنهم غير شرعيين من الناحية الاستراتيجية.
- إعداد مجتمعات تتحلى بالصمود: وضع مبادئ وطنية ودولية تشمل تخطيط السيناريوهات والاستعداد النفسي وتثقيف الجمهور بشأن أزمات اختطاف الرهائن، تماماً كما هو الحال بالنسبة للإرهاب أو التهديدات السيبرانية. على سبيل المثال، تجري المديرية الوطنية للفضاء الإلكتروني في إسرائيل بانتظام تدريبات محاكاة على مستوى البلاد وحملات توعية عامة لإعداد المؤسسات والمدنيين لمواجهة الهجمات الإلكترونية واسعة النطاق. كما يمكن أن يؤدي إطلاق مبادرات مشتركة بين الوزارات تشمل الصحة والتعليم والدفاع والدبلوماسية إلى تعزيز الصمود ورفع جاهزية المجتمع بشكل أكبر.
- وضع بروتوكولات منضبطة لإرسال الرسائل في أوقات الأزمات: بدلاً من الاعتماد على نصوص جامدة، يجب على الحكومات تدريب كبار المسؤولين والمتحدثين الرسميين على التواصل الاستراتيجي في أوقات الأزمات، مع التركيز على الوعي النفسي والتنسيق والاتساق. يمكن أن تساعد المبادئ المحددة مسبقًا والتوجيهات المركزية في الحد من الذعر وتغير الرواية خلال أحداث احتجاز الرهائن المشحونة عاطفياً.
- تعزيز القدرات العالمية على صياغة الرواية: إنشاء وحدات إعلامية متعددة اللغات واستباقية لتشكيل الحوار الدولي ومواجهة حملات التأثير المعادية، والاستفادة من السفارات والمجتمعات المغتربة والدبلوماسية الرقمية لتوضيح وجهة النظر الإسرائيلية والطبيعة المتعمدة للحرب المعرفية.
- دمج الحالة الإسرائيلية في التعلم الدولي: ينبغي معاملة أزمة السابع من أكتوبر كدراسة حالة في الحرب النفسية الحديثة. يجب على الحكومات والمؤسسات الدولية والجهات الفاعلة في المجتمع المدني دمج تجربة إسرائيل في التدريب والعقيدة والتخطيط للطوارئ.
- تجنب تعزيز هيكل الحوافز الخاصة بالرهائن: الاعتراف بأن التنازلات السابقة في تبادل الأسرى، مثل صفقات جبرائيل وشاليط، والتي كانت غير متكافئة بشكل حاد، شكّلت سابقة خطيرة. لذلك، يجب أن تضع السياسة المستقبلية حدوداً استراتيجية واضحة لردع عمليات الاختطاف الجماعي بوصفها أسلوباً فعالاً.
إن الرهائن الذين تم اختطافهم في السابع من أكتوبر ليسوا مجرد سجناء في غزة فحسب، بل هم أسرى في مخيلة العالم. لقد نفذت "حماس" استراتيجية اختطاف الرهائن بدقة ليس فقط لحماية مقاتليها، بل أيضاً لترويع المجتمع الإسرائيلي وإضعاف قيادته والسيطرة على الرأي العام الدولي. هنا تكمن طبيعة الحرب المعرفية الحديثة: ليست فقط ساحة القتال، بل السيطرة على العقول.
يجب على إسرائيل وحلفائها الآن مواجهة هذا الواقع، ليس بالمزيد من الذعر، بل بضبط النفس والوضوح. فالانتصار في الحرب لا يعني فقط تحرير الرهائن، بل تحرير النفسية الوطنية من الفخاخ التي نسجتها الحركة بمهارة.