- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
استطلاع جديد للرأي العام يسلط الضوء على وجهات النظر السعودية بشأن الحرب بين إسرائيل وحماس
في حين ظلت "حماس" لا تحظى بشعبية بين معظم السعوديين، إلا أن الآراء الإيجابية بشأنها قد شهدت قفزة مؤخرا؛ وأغلبية السعوديين يرون أن إسرائيل دولة "ضعيفة ومنقسمة".
في استطلاعٍ للرأي أجراه معهد واشنطن من 14 تشرين الثاني/نوفمبر إلى 6 كانون الأول/ديسمبر مع عيّنة تمثيلية وطنية من ألف مواطن سعودي، تم قياس مدى تَبدُّل المواقف السعودية بسبب الحرب بين إسرائيل وحركة "حماس". وبحسب الإجابات، كان الموقف الشعبي السعودي من نتائج الحرب واضحًا، إذ وافقت الأغلبية الساحقة (91%) على أن "هذه الحرب في غزة هي انتصار للفلسطينيين والعرب والمسلمين، على الرغم من الدمار والخسائر في الأرواح". أما بالنسبة إلى دور العالم العربي ككل، فقد وافق الجميع تقريبًا (96%) على أنه "يجب على الدول العربية أن تقطع فورًا جميع الاتصالات الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية وأي اتصالات أخرى مع إسرائيل، احتجاجًا على عملها العسكري في غزة".
عندما يتم إجراء استطلاع للرأي في فترة الحرب، تكون النتائج على الأرجح أكثر تقلبًا بما أن الظروف تتغير بسرعة على الأرض. ففي فترة الاستطلاع الحالي مثلًا، شهدت الحرب بين إسرائيل و"حماس" عدة تحولات رئيسية، منها وقف إطلاق النار المؤقت من 24 إلى 30 تشرين الثاني/نوفمبر ثم توسيع نطاق التوغلات الإسرائيلية اللاحقة في جنوب قطاع غزة. إلا أن المقارنات مع استطلاعات الرأي السعودية التي أُجريت في آب/أغسطس قد تساعد في توفير مقياس لمدى حدّة تأثير هذا الصراع في بعض المواقف وتغييرها، مؤقتًا على الأقل، ومدى ضآلة تأثيره في مواقف أخرى.
في حين أن "حماس" كحركة لا تحظى بشعبية بين أغلبية السعوديين، بخلاف النزعة الجديدة المتمثلة في الدعم الشعبي الواسع النطاق في بعض الدول مثل لبنان والأردن ومصر، يقول 16% فقط من السعوديين إنه "يجب على حركة "حماس" التوقف عن الدعوة إلى تدمير إسرائيل، والقبول بحل الدولتين الدائم للصراع على أساس حدود عام 1967".
بالإضافة إلى ذلك، لا يعتقد معظم السعوديين أن هجوم "حماس" في 7 تشرين الأول/أكتوبر استهدف مدنيين إسرائيليين، إذ أجابت الأغلبية العظمى من السعوديين (95%) بأن "حماس" لم تقتل فعليًا المدنيين عندما سئلوا عن رأيهم بشأن ما إذا كان قيام "حماس" بقتل المدنيين مخالفًا للإسلام. وينتشر هذا الرأي على نطاقٍ واسعٍ في الدول الثماني التي شملها استطلاع معهد واشنطن، كما تظهر نتائج مماثلة في استطلاعٍ لرأي الفلسطينيين نشره مؤخرًا "المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية". ففي فلسطين، أفادت الأغلبية الساحقة بأنها لم تشاهد أي مقاطع فيديو يظهر فيها أعضاء "حماس" وهم يرتكبون فظائع، ورأى 10% فقط من الفلسطينيين (17% من سكان غزة و5% من سكان الضفة الغربية) أن "حماس" ارتكبت جرائم حرب في الحرب الحالية، مقابل 95% من الذين قالوا الأمر نفسه عن إسرائيل.
بينما تستمر أغلبية السعوديين في التعبير عن رأي سلبي تجاه "حماس"، أدت الحرب بين إسرائيل و"حماس" إلى زيادة ملحوظة في شعبية الحركة. فقد شهدت المواقف الإيجابية تجاه "حماس" تحولًا بمقدار ثلاثين نقطة، إذ ارتفعت نسبتها من 10% فقط في آب/أغسطس إلى 40% في تشرين الثاني/نوفمبر وكانون الأول/ديسمبر. كما تُظهر الردود في الاستطلاع الأخير، وكذلك في استطلاعَي عامَي 2014 و2021، تزايد شعبية "حماس" لدى بعض السعوديين في فترة الصراع مع إسرائيل أو في أعقابه مباشرةً، فضلًا عن زوالها المحتمل مع مرور الوقت. ففي أعقاب الصراع بين "حماس" وإسرائيل في عام 2021 مثلًا، انقلب فجأةً مسار الانخفاض الثابت على مدى خمس سنوات في شعبية "حماس" داخل المملكة العربية السعودية، مع أنه اقتصر على ربع السكان (23%).
لكن على عكس بعض الدول مثل لبنان والأردن ومصر، حيث تحظى "حماس" بتأييد الأغلبية أو بمستوى غير مسبوق من التأييد في عدة حالات منذ عام 2014، لا تزال شعبيتها بين السعوديين أدنى مما كانت عليه في استطلاع الرأي الذي أُجري بعد صراع عام 2014.
أما من ناحية إسرائيل، فهي لم تكن تحظى من جهتها بتعاطف يُذكر بين السعوديين حتى قبل الحرب. واليوم، يوافق 87% منهم على أن "الأحداث الأخيرة تُظهر أن إسرائيل ضعيفة جدًا ومنقسمة داخليًا لدرجة قد تسمح بهزيمتها يومًا ما". وبالنسبة إلى معظم السعوديين، كان هذا التصور قائمًا على الأرجح قبل الحرب أيضًا، حين وافق 70% منهم على أن الحركة الاحتجاجية الواسعة الانتشار في عام 2023 ضد نتنياهو قد عكست حالة "دولة ضعيفة ومنقسمة".
وعندما سُئل السعوديون في آب/أغسطس عما إذا كانوا يوافقون على أنه "يجب إظهار المزيد من الاحترام لليهود في العالم، وتحسين علاقاتنا معهم"، لم يوافق سوى 5% على ذلك. وتتطابق هذه النتيجة إلى حدٍ كبيرٍ مع تلك التي تم تسجيلها عند طرح هذا السؤال في عام 2021، لكنها تتناقض بشكلٍ ملحوظٍ مع المواقف السعودية المنقسمة تجاه المسيحيين ردًا على السؤال نفسه في عام 2021. وعلاوةً على ذلك، لم يُظهِر السعوديون قبل الحرب أي اهتمام يُذكَر بتوسيع العلاقات مع الإسرائيليين أو اليهود خارج نطاق التعاون الاقتصادي.
وكان المجال الوحيد الذي أعربت أقلية كبيرة سابقًا عن اهتمامها به، أو على الأقل تقبلها له، هو السماح بالعلاقات الاقتصادية. وقد أدت الحرب بين إسرائيل و"حماس" إلى تراجع ملحوظ في تأييد السماح بالاتصالات التجارية مع الإسرائيليين. ففي حين أن نسبة الموافقة على هذا الأمر ما زالت أعلى من المستويات المسجلة قبل إبرام "اتفاقيات إبراهيم"، إلا أنها تقلصت إلى 17% بعد أن شهدت على مدى سنوات زيادة تدريجية من 37% في عام 2020 إلى 43% في تشرين الثاني/نوفمبر 2022.
في المقابل، ما زال الدعم قائمًا لمبادرات السلام العربية التي تشمل حتمًا إسرائيل. إذ أعرب ثلاثة أرباع المستطلَعين (75%) عن تأييدهم للمشاركة الدبلوماسية العربية في "عملية صنع السلام بين فلسطين وإسرائيل، عبر تقديم حوافز للجانبين من أجل اتخاذ مواقف أكثر اعتدالًا"، وخاصةً من أجل تقديم الدعم الإنساني لسكان غزة. علاوةً على ذلك، وافقت أغلبية أكبر (86%) على أنه "بغض النظر عما هو صحيح، ما من حل عسكري للصراع مع إسرائيل، لذا يجب إجراء مفاوضات سياسية للتوصل يومًا ما إلى اتفاق بين فلسطين وإسرائيل". وعلى نحو مماثل، لا يلقى التدخل العسكري المباشر تأييدًا يُذكَر، إذ وافق 88% على أن "الإصلاح السياسي والاقتصادي الداخلي في الوقت الحالي هو أهم بالنسبة إلى بلادنا من أي قضية تتعلق بالسياسة الخارجية، لذا علينا البقاء في منأى عن الحروب الخارجية"، وهذه النسبة تعادل إحصائيًا تلك المسجلة عند طرح السؤال للمرة الأخيرة في خريف عام 2021.
لم تؤثّر الحرب كثيرًا في تصورات السعوديين بشأن الجهات الفاعلة المجاورة الأخرى في الصراع. على سبيل المثال، عبّر نحو 90% من السعوديين عن وجهة نظر سلبية تجاه "حزب الله"، وهي نسبة لم تتغير منذ عدة سنوات. كذلك، وافق 81% على أن "أحداث الأسابيع القليلة الماضية تُظهِر تردد إيران و"حزب الله" والحوثيين وحلفائهم الآخرين من الميليشيات في مساعدة الفلسطينيين لأسباب مختلفة". أما المواقف تجاه "السلطة الفلسطينية" فقد تغيرت بشدة في خلال العقد الماضي، لكنها لم تتغير كثيرًا منذ بدء الحرب. ففيما أعرب 41% عن وجهة نظر إيجابية إلى حدٍ ما على الأقل تجاه "السلطة الفلسطينية" في عام 2014، لم يعرب سوى 10% عن ذلك الآن، كما أن نسبة الآراء الإيجابية لم تتجاوز 15% في آب/أغسطس.
ملاحظة حول المنهجية
يستند هذا التحليل إلى نتائج استطلاع أجري بتكليف من معهد واشنطن ونفذته شركة استطلاعات تجارية إقليمية مستقلة تتمتع بمستوى عالٍ من الكفاءة والخبرة. قام الاستطلاع على مقابلات شخصية مع عيّنة وطنية تمثيلية شملت ألف مواطن سعودي تم اختيارهم وفقًا لإجراءات الاحتمالية الجغرافية المعيارية. وقدّمت الشركة ضوابط جودة صارمة وضمانات السرية طوال مدة العمل الميداني والترميز ومعالجة البيانات. ويبلغ هامش الخطأ النظري لعيّنة بهذا الحجم وهذه الطبيعة حوالى ثلاث نقاط مئوية.